قرأت تدوينة لوزير الخارجية السابق إسلكو ولد إزيد بيه عبّر فيها عن غضبه الشديد من كون الأستاذ أحمد سالم ولد بوحبيني أدرجه في المرتبة الثالثة من المقربين من الرئيس السابق بعد الوزير الأول يحيا ولد حدمين ورئيس الحزب الحاكم سيدي محمد ولد محم. فهو، بالنسبة لشخصه الكريم، كان دائما في المرتبة الأولى ويجب أن يظل فيها!!. غير أنني تفاجأت ببيان وقعته شخصيات من حزب الوحدوي الاشتراكي تندد باعتقال ولد عبد العزيز وتشجب تجميد نشاطات حزب مناصريه. المفاجأة لم تكن في طبيعة الشخصيات ولا في مضمون البيان، لكنها كانت في ترتيب الأسماء في اللائحة بحيث كان وزير الخارجية، ولد إزيد بيه، في نفس المرتبة الثالثة التي حطه فيها ولد بوحبيني في الفيديو الشهير، والتي "لا تليق بمكانة الرجل"!!. لقد وضعه البيان، الذي وقعه بيمينه، في المرتبة الثالثة بعد سيّدنا عالي ولد محمد خونا ومحفوظ ولد اعزيز. إنه قدَر أنبأ به ولد بوحبيني صدفة أو مصادفة، فليوبخ الوزير يمينه هذه المرة!!
كثيرة هي مصادفات المحامي المثير أحمد سالم ولد بوحبيني، وعجيبة هي تنبؤاته التي تتحقق في الواقع دون أن تثير أي انتباه!.. في هذا الصدد، يتداول الناس، منذ فترة، فيديو تم تصويره يوم 16 أغشت 2017 في مقر حزب "تواصل" خلال مؤتمر صحفي عقده المحامي أحمد سالم ولد بوحبيني للتنبيه إلى أن موكله، محمد ولد غده، كان ممنوعا من حقوقه المتعلقة بلقاء المحامي وزيارة الأهل والطبيب وتحسين ظروف معتقله (نظافة الغرفة، التهوية، الناموسية، المراحيض...).
هذا الفيديو الذي قال فيه ولد بوحبيني ان على رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز أن يمنح لولد غده تلك الضمانات التي يمكن أن يحتاج لها هو نفسه، ولن ينفعه، حينئذ، وزيره الأول ولد حدّمين ولا رئيس حزبه ولد محم ولا وزير خارجيته ولد إزيد بيه، أصبح يشكل -هذه الأيام- موعظة لمن يتدبر الحياة لجملة من الأسباب أهمها:
أولا: تم تصوير الفيديو، المتعلق بولد غده، يوم 16 أغشت 2017، وتم توقيف الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز يوم 17 أغشت 2020، أي بعد ثلاث سنوات بالتمام والكمال!!. وقد نشرت صفحة المدون سعد حمادي، ذات القرائية الواسعة، نفس الفيديو بعد أن استعادته من أرشيفها بنفس التاريخ (16 أغشت).
ثانيا: زار ولد بوحبيني الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز عند نفس المفوضية وفي نفس الغرفة التي زار فيها موكله المعتقل محمد ولد غده (مفوضية شرطة الجرائم الاقتصادية)!!.. ونقلت الصحافة عن بنت الرئيس السابق قولها ان غرفة والدها قذرة وغير مكيفة ومليئة بالبعوض، وهي نفس الظروف التي كانت عليها غرفة المعتقل ولد غده وطالب ولد بوحبيني بتحسين حالتها طبقا للقانون، إلا أن من لا يحسب للغد حسابه رفض!!.
ثالثا: الحقوق التي طالب بها المحامون لمحمد ولد عبد العزيز هي نفسها الحقوق التي طالب بها ولد بوحبيني للمعتقل ولد غده ورفضها عزيز وهو لا يدري أن الدهر غير مؤتمن وأن الدنيا دوّل!!.
رابعا: قال ولد بوحبيني في الفيديو، المصور سنة 2017 في ذروة قوة وتمادي الرئيس السابق، ان ولد عبد العزيز عندما يُعتقل لن يجد من يطالب له بحقوقه غير المحامين، أما وزيره الأول يحيا ولد حدمين ورئيس حزبه سيدي محمد ولد محم فسيكونان أول المتبرئين منه!! واليوم ها هم المحامون، بمن فيهم ولد بوحبيني نفسه، يطالبون لولد عبد العزيز بنفس الضمانات التي منعها، مكابرة وجورًا، لولد غده وغيره، فيما غرق الوزير الأول ورئيس الحزب في موجة أخرى أبعد ما تكون من المناصرة!!..
خامسا: عندما وصل عزيز إلى مخفر الشرطة سألوه، مثل أي موقوف، عن اسمه واسم أبيه وأمه وتاريخ ازدياده لتأكيد هويته، وقد رد على تلك الأسئلة بينما رفض الرد على الأسئلة المتعلقة بملف لجنة التحقيق البرلمانية في انتظار التشاور مع محاميه.. نفس الأسئلة وردت في فيديو ولد بوحبيني منذرا عزيز من الوقوع في الحفرة التي أوقع فيها ولد غده وغيره دون أن يهتم بأبسط الحقوق المكفولة قانونيا للموقوفين!!.
سادسا: كان تنبؤ ولد بوحبيني بَعِيد التصور، لا يمكن تخيله سنة 2017 عندما كان عزيز يتحدث، في مهرجان المطار، عن المأمورية الثالثة والرابعة والخامسة، وكان البعض يتحدث عن التحول من النظام الجمهوري إلى النظام الملكي، وكان أقرب المقربين المخلصين يتحكمون في أكثر المناصب حساسية (ولد حدمين وزيرا أول، ولد محم رئيسا للحزب، ولد إزيد بيه وزيرا للخارجية...). في تلك الظروف قال ولد بوحبيني لولد عبد العزيز: "إن عليك أن تضمن لولد غده كل الحقوق القانونية لأنك لا تعرف متى ستحتاج إلى نفس الحقوق"!!..
سابعا: اتعظ الناس من مطالبة ولد بوحبيني لوزير العدل، في عهد غزواني، بضمان نفس الحقوق لولد عبد العزيز، كما طالب وزير العدل، في نظام ولد عبد العزيز، بضمان نفس الحقوق لولد غده وغيره من المعتقلين!!. وهو ثبات مبدئي نادر في هذه الأرض.
ثامنا: حسب ما تسرب من لقاء ولد بوحبيني ووزير العدل، فقد عبر له عن استيائه من ظروف اعتقال رئيس سابق قال فيه ذات مرة، في رد تهكمي شهير: "من زكّى ولد بوحبيني؟". وبعد الاستياء من ظروف اعتقال الرئيس السابق، الذي عرف متأخرا من زكى ولد بوحبيني، طالب الأستاذُ الوزيرَ بتحسين وضعيته في جو موريتاني مشحون، هذه الأيام، بمواعظ واستشهادات من أعمقها:
مهلاً فؤاديّ! لا تذهبْ بك الفِكَرُ
فاليوم ذا خبَرٌ، وفي غدٍ خبَرُ!!