بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
السيد الأمين العام لحزب الحضارة والتنمية؛
السادة الضيوف والمدعوون الكرام؛
أيها الإخوة والأخوات؛
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
باسمي شخصيا وباسم حزب الإصلاح، أتقدم إليكم جميعا، كل باسمه وجميل وسمه، بجزيل الشكر وعظيم الامتنان على تشريفكم لنا بالحضور والمشاركة معنا في حفل اندماج حزب الحضارة والتنمية في حزب الإصلاح، وهي المناسبة التي نجتمع فيها اليوم للإحتفاء بهذا الحدث السياسي المتميز، والذي نأمل أن يمنحنا معا، فرصة أرحب للمساهمة النوعية في إعادة تأهيل وتفعيل المشهد السياسي الوطني بما يخدم الصالح العام، ويعزز مسار التحول الديمقراطي، والفعل السياسي الإيجابي والناضج والمتوازن.
وبهذه المناسبة السعيدة، فإننا نجدد الترحيب بإخوتنا وأخواتنا في حزب الحضارة والتنمية، لكن أسمحوا لي بادئ ذي بدء، أن أطلب منكم أن نقف جميعا لقراءة الفاتحة على روح رئيس هذا الحزب، المرحوم الأستاذ محمد فاضل ولد الشيخ محمد فاضل، الذي انتقل إلى بارئه بتاريخ 25 مايو الماضي، على إثر مرض كان يعاني منه؛ كما لا يفوتني بالمناسبة، أن أتقدم باسمكم جميعا إلى تلك الأسرة الكريمة بالتعزية والمواساة بعد رحيل والد المرحوم منذ أيام قليلة في مدينة أطار.
السيد الأمين العام لحزب الحضارة والتنمية؛
السادة الضيوف والمدعوون الكرام؛
أيها الإخوة والأخوات ؛
إننا في حزب الإصلاح، وإن كنَّا في النهاية لا نستغرب أن يحصل التلاقي كخطوة إيجابية مع حزب الحضارة والتنمية، لأن الإصلاح في فهمنا لا بدَّ أن ينطلق من مَعين الحضارة الفيَّاض، مُستهدفا تحقيق التنمية المتوازنة للوطن والمواطن بجميع أبعادها ومستوياتها، لكنَّ لدينا قناعة راسخة بأن عملية الاندماج بين الأحزاب بغض النظر إلى أحجامها وأوزانها، ضمن معطيات السياق الوطني الراهن والمنظور، إنما تشكل في حد ذاتها، خيارا استراتيجيا واعدا، ورهانا سياسيًّا علينا أن نكسبه..
ولعل هذه القناعة لدى حزب الإصلاح هي جزء مهم من المشتركات التي نتقاسم ثمارها اليوم مع الإخوة في حزب الحضارة والتنمية، تماما كما تقاسمناها من قبلهم مع الإخوة والأخوات في حزب الوطن، وبالأمس القريب، مع الإخوة والأخوات في حزب اللقاء الديمقراطي، في حفل بهيج بقصر المؤتمرات.. وسنتقاسمها قريبا إن شاء الله مع أحزاب أخرى وكتل سياسية وازنة في الساحة الوطنية.. وهي خطوات تأتي تتويجا لمسارات عديدة من الحوار والنقاش الجاد استمر لشهور عديدة، بل لأكثر من سنة في بعض الأحيان، وقد تميز دائما بالمرونة والتواضع ونكران الذات من طرف الجميع، في سبيل التوصل إلى الصيغة الاندماجية لهذه الأحزاب في حزب الإصلاح، الذي أصبح حزبَ الجميع اليوم، في انتظار أن يعقد مؤتمره العام ويختار هيئاته المُداوِلة قبل نهاية السنة الجارية إن شاء الله، وهي فرصة سانحة نأمل أن يتمكن الجميع خلالها من تكريس خيارات، ورؤى وقيم الحزب كما يؤمن بها ويناضل من أجلها كل واحد منكم.
ولعلي لا أبالغ إذا قلت بأن الاندماج بين الأحزاب قد أصبح مطلبا شعبيا، وليس فقط حاجة لدى النخب السياسية بحكم رغبتها في بناء كيانات كبيرة قادرة على الفعل والمناورة السياسية، بل أيضا لأن المواطنين في هذه البلاد قد باتوا في أمس الحاجة إلى أن يجدوا أحزابا كبرى جادة، متماسكة، منظمة وفاعلة، تشكل حاضنة سياسية حقيقية لهم، ومجالا رحبا مفتوحا أمامهم لممارسة الحقوق وأداء الواجبات، ولإثراء تجربة التحول الديمقراطي في البلاد، بعد أن سئم الجميع من حالة التمزق والترحال بين عشرات الأحزاب الصغيرة المبعثرة على هامش الحياة السياسية، والعاجزة عن أي تأثير بنَّاء يخدم المشروع الوطني.
السيد الأمين العام لحزب الحضارة والتنمية؛
السادة الضيوف والمدعوون الكرام؛
أيها الإخوة والأخوات ؛
في هذا السياق، تهدف خطوة الإندماج الحالي بين حزبي الإصلاح والحضارة والتنمية، وكذا بقية الأحزاب الأخرى، إلى خلق قوة سياسية ومجتمعية تعمل من أجل المساهمة في ترسيخ النظام الديمقراطي، وتقديم خيار آخر للموريتانيين، علْماً بأن الحزب مُلتزمٌ سياسيًا بدعم البرنامج الإنتخابي لرئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، من أجل تحقيق الصالح العام من خلال إرساء نموذج للتنمية يقوم على المزاوجة بين عملية بناء الموارد البشرية والنهوض بالاقتصاد الوطني بشكل قادر على خلق الثروة وإقامة العدالة الاجتماعية ومُحاربة الفساد.
إن ما يحدونا في هذه المقاربة السياسية هو واجب الانتصار لطموح الشعب الموريتاني في الحياة الكريمة، وتعزيز الحد الأدنى من الإجماع الوطني حول قضايا جوهرية مثل التغيير، والإستقرار والتنمية المستدامة من خلال المشاركة الفاعلة في بلورة تدبير سياسي عقلاني للحكامة في البلاد، بما يحقق لموريتانيا المُمْكنة مستقبلا آمنا ومزدهرا، ضمن ظروف إقليمية ودولية تتسم بالحساسية والصعوبة.. وهي مقاربة تستهدف بناء حزب سياسي كبير بمعايير توافقية، تقوم على أساس منيع يهدف لإرساء جسور التواصل والتلاقي مع مختلف ألوان الطيف في المشهد السياسي الوطني، من أجل القيام بالأدوار المنوطة به كحزب وطني فاعل ومسؤول.
السادة الضيوف والمدعوون الكرام؛
أيها الإخوة والأخوات ؛
تُجمِع مقاربات عديدة لمفهوم التقدم في حقل العلوم الإنسانية، على أن الحاجات والمطالب البشرية لم تتطور ولم تتغير بشكل كبير على مر العصور والأزمنة، ولكن الذي تطور عبر التاريخ هو طرق ووسائل وآليات تلبية تلك المطالب والحاجات.
ومن هنا تنبع مقاربتنا لمفهوم الحزب الديمقراطي في زمنٍ وعالمٍ مُتغيرَيْن، باعتباره هو الجسر السياسي الذي يربط بين الفئات والمصالح المجتمعية المختلفة مع الكل الوطني عبر تبني القيم العليا المشتركة. وبهذا المعنى، يكون الحزب وسيلة لتمكين المواطنين من خدمة مصالحهم والدفاع عن قيمهم العليا المشتركة التي توحدهم في نطاق الدولة الوطنية.
ومن أجل تجسيد هذه المقاربة كممارسة سياسية على أرض الواقع، ينبغي أن يعمل الحزب على مسارين يتعلق أولهما بتعزيز فكرة المصلحة المشتركة أي المصلحة الوطنية العليا الجامعة لكل المواطنين، أما المسار الثاني فهو خدمة مصالح الفئات الاجتماعية التي يعبر عنها الحزب ضمن سياق ومنطق الدولة، ويتعلق الأمر هنا بالطبقة الوسطى العريضة من الشعب الموريتاني بمُختلف فئاتها ومكوناتها العُمرية والمهنية على امتداد المجال الجغرافي الحضري والريفي في عموم التراب الوطني. وبهذا المعنى، فإن الحزب يظل يخدم تحقيق التوازن الضروري داخل الدولة والمجتمع.
وكما تعرفون في أدبيات فلسفة السياسة، فقد استحقت مؤسسة الحزب بجدارة تسمية "الأمير المعاصر" حسب تعبير المُنظِّر الإيطالي أنطونيو غرامشي، في إشارة مُكثفة لوظيفة "الأمير" السياسية في توحيد المجتمع والدولة، من حيث أن الحزب يحافظ على وحدة الدولة في نفس الوقت الذي يعمل فيه كمنصة للتفاعل تُنتج المثقف العضوي، الذي بدوره يقدم المادة الفكرية الضرورية لتطوير ممارسة الناس بفئاتهم المختلفة للسياسة، داخل المجتمع ضمن ديناميكية إيجابية وخلَّاقة مستمرة.
فالحزب الديمقراطي في أي مجتمع، ينبغي أن يكون هو الحاضنة لتطوير الممارسة السياسية من خلال الدور المحوري الذي يضطلع به المثقف العضوي. ومن خلال تطوير الممارسة السياسية تتم خدمة الفئات المختلفة المكونة للمجتمع، ويتم الحفاظ على وحدة الدولة في ذات الوقت. فالحزب الديمقراطي إذًا، يُنتج المثقف العضوي الذي يطور ويغير، ويبني الدولة والمجتمع بتوازن وانتظام.
السيد الأمين العام لحزب الحضارة والتنمية؛
السادة الضيوف والمدعوون الكرام؛
أيها الإخوة والأخوات ؛
أعتقد بأننا متفقون على الأشياء المهمة والأساسية في عملية إعادة بناء الكيان السياسي والتنظيمي والتعبوي لحزبنا الجامع، حزب الإصلاح؛ لكن، هذه هي بداية الطريق فقط..
وهناك حاجة ماسة إلى بذل مزيد من الجهود حتى نستجيب لمتطلبات المرحلة، التي تفرض علينا ليس فقط إعادة هندسة حزبنا، وتفعيل هيئاته لتصبح قوية ومؤثرة، لكي يتمكن الحزب من لعب الدور الاستراتيجي المنوط به حاليا، باعتباره رافعة مهمة لتوفير الدعم والإسناد من أجل حسن تنفيذ البرنامج الانتحابي لرئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، وكذا تقديم المشورة والنصح لحكومته الموقرة.
بل يتعين على حزبنا فضلا عن ذلك، وانطلاقا من حرصه على رعاية المصالح العامة للمواطنين وصيانة استقرار البلاد، أن يعمل باستمرار على تطوير طموحه السياسي وسعيه للمشاركة في ممارسة السلطة بشكل ديمقراطي، يعزز فرص توحيد المجتمع والدولة، ويسمح للحزب دائما بأن يقدم للمواطنين الموريتانيين بدائل سياسية وتنموية حقيقية وجذابة، قادرة على المساهمة في تعزيز المكتسبات الدستورية والسياسية، وإنجاح التحول الديمقراطي في البلاد بشكل آمن، والخروج بها من أزماتها البنيوية والظرفية، وكذا تجاوز المعضلات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعيق نهوضها وتنميتها الشاملة والمستدامة، وبناء علاقاتها الإقليمية والدولية بشكل متوازن يقوم على إعادة رسم أهداف سياستنا الخارجية انطلاقا من تحديد مصالحنا الوطنية واستقراء التحولات الدولية، والمتغيرات المستجدة داخليا وإقليميا في منطقة تكثر فيها الأزمات والمخاطر المختلفة.
السيد الأمين العام لحزب الحضارة والتنمية؛
السادة الضيوف والمدعوون الكرام؛
أيها الإخوة والأخوات ؛
مرة أخرى، أجدد لكم الشكر والتقدير على الحضور والمشاركة معنا - رغم الظروف والموانع المختلفة- في حفل اندماج حزب الحضارة والتنمية في حزب الإصلاح، سائلين المولى عز وجل أن يسدد خطانا جميعا لما فيه الخير والرشاد.. وآملين أن نوفق جميعا لنكون عونا وسندا لفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني في ما يخدم مصلحة الوطن والمواطن ويعزز استقرار البلاد وازدهارها المطرد، إنه سميع مجيب..
والسلام عليكم جميعا.. ورحمة الله وبركاته..
الأستاذ محمد ولد أحمد سالم ولد طالبن
رئيس حزب الإصلاح
انواكشوط، 19 أغسطس 2020