حصلت “الصدى”الورقية الصادرة هذا الاسبوع من مصادر مقربة جدا من لجنة التحقيق البرلمانية ، أن اللجنة أوشكت على إنهاء عمليات الإستماع للمسؤولين ، عن الملفات التي تحمل شبهات فساد ، خلال العشرية المنصرمة التي حكم فيها البلاد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز.
وحسب المصادر فإن اللجنة إستمعت حتى الآن لعدد كبير من كبار المسؤولين خلال عشرية ولد عبد العزيز من بينهم ثمانية وزراء وكل رؤساء الوزراء خلال تلك العشرية.
وتؤكد المصادر نقلا عن اللجنة إرتياحها التام لعدم تدخل السلطة التنفيذية في أعمالها أو التأثير عليها في أي إتجاه ، حيث تمكنت اللجنة من أداء عملها في أحسن الظروف بدون أي ضغوط أو تدخلات او توجيهات من السلطات التنفيذية خاصة من مؤسسة الرئاسة.
كما تسجل اللجنة – حسب المصدر- إرتياحها لتعاطي جميع المستجوبين معها ، حيث لم تسجل اللجنة امتناع أي مسؤول عن الحضور لجلساتها ، باستثناء الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز الذي أرسلت له اللجنة رسالة رسمية قبل فترة ، ولكنه إعتذر لهم عن عدم تمكنه من الحضور بسبب تواجده خارج العاصمة في منتجعه في بنشاب ،و طلب منهم أن يتركوا له الرسالة الرسمية عند بوابة بيته في العاصمة نواكشوط ، عندها طلبت اللجنة من رئيس البرلمان أن يضع تحت تصرفها سيارة كي توصل له الرسالة في مقر إقامته خارج العاصمة في بنشاب ، وفي تلك الظروف تقرر توسيع أعمال اللجنة ، فأنشغلت عن استدعاء ولد عبد العزيز بتقصي أسرار وخفايا الملفات الجديدة ، والاستماع للضالعين المباشرين فيها ، وقررت تأجيل استدعاء الرئيس السابق ولد عبد العزيز حتى تنهي أعمالها النهائية وتستمع لكل المسؤولين المباشرين للملفات ، خاصة أن الوقت ضيق جدا والعمل كثير ، فموافقة البرلمان على توسيع أعمال اللجنة وزيادة الملفات لم تتم معه زيادة الفترة الزمنية الممنوحة للجنة كي تسلم تقريرها وبالتالي وجدت اللجنة نفسها أمام كم هائل من الملفات الحساسة والتي يجب أن تسابق الزمن كي تسبر أغوارها وتكشف ما فيها من تلاعب وفساد مع تحديد المسؤولين المباشرين عن كل ملف بالأدلة القطعية التي لا تقبل التأويل
ومن هذا المنطلق تأجل استجواب الرئيس السابق ولد عبد العزيز لكن المصادر تؤكد أنه خلال الأيام سيكون لزاما عليه تلبية دعوة اللجنة للمثول امامها والاستماع لإفاداته ، خاصة أن الكثير من الملفات كان المسؤولون عنها يحملونه المسؤولية كاملة عن ما شابها من فساد ، مؤكدين أنه كان يعطي تعليماته الصارمة بتنفيذ وجهة نظره وأوامره بدون مراجعة .
ويرى مصدر مطلع من داخل اللجنة أن سيناريوهات اللجنة مع استدعاء ولد عبد العزيز ستكون على النحو التالي :
يقبل الدعوة بروح رياضية ويحضر لمقر اللجنة ويفيد بشاهداته ، وإما يرفضها ، وإما يربطها بشروط
ففي حالة قبوله للدعوة سيتم توجيه الأسئلة له وتسجيل إفاداته حول تلك كل الملفات التي يتهمه كبار معاونيه من الوزراء والمدراء بالضلوع فيها وترفع تلك الافادة مضمنة في التقرير العام للجمعية الوطنية ، على أن افاداته مهما كانت طبيعتها لن تخلي ذمة الوزراء والمسيرين لكونهم المسؤولين المباشرين عن تلك الملفات.
أما في حالة رفض الرئيس السابق ولد عبد العزيز لاستدعاء اللجنة له ، فإن اللجنة في هذه الحالة قد تطلب من السلطة التنفيذية إحضاره بالقوة ، خاصة أن هناك حالات مشابهة حدثت في الماضي بإيعاز من ولد عبد العزيز نفسه قد تبني السلطة عليها قرار إحضاره بالقوة كما حدث مع السيدة ختو منت البخاري حرم الرئيس السابق سيدي ولد الشيخ عبد الله التي اعطى ولد عبد العزيز الأوامر للشرطة بإحضارها لمجس الشيوخ بالقوة من أجل استجوابها.
وهناك رأي آخر داخل اللجنة يرى أنه وهي أنه في حالة رفض ولد عبد العزيز الحضور أو وضع اشتراطات تعجيزية أو في تلاعب بالوقت القصير المتبقي للجنة ، فإن اللجنة تتركه وشأنه وتسجل في تقريرها أن هناك الكثير من الاعترافات الخطيرة اعترف بها الوزراء ورؤساء الوزراء حول ضلوع الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز في ملفات فساد (ويتم تحديد تلك الملفات بدقة ) ، لكن الرئيس السابق ولد عبد العزيز لم يؤكد للجنة هذه الاعترافات ولم ينفها نظرا لإمتناعه عن الحضور ، ويرى أصحاب هذا الرأي أنه السيناريو الأكثر سلاسة وتهدئة للساحة رغم أنه السيناريو الأخطر والاكثر تكلفة سياسيا وقانونيا بالنسبة لولد عبد العزيز ، لأنه في هذه الحالة سيصبح متهما من طرف السلطة التشريعية بملفات فساد خطيرة جدا يضاف لها الاتهام الاخطر وهو ورفض التعاون والتعاطي مع لجنة التحقيق البرلمانية
و تؤكد المصادر أن اللجنة البرلمانية ستنهي تقريرها العام في منتصف الشهر القادم وترفعه للجمعية الوطنية ، وستجيب اللجنة من خلال تقريرها على سؤالين إثنين هما :
هل كان تسيير الملفات التي كلفت اللجنة بتقصي حقائقها موافقا للمواصفات والضوابط القانونية أم لا ؟ وهل كان ضارا بمصلحة الدولة الموريتانية أم لا ؟
وحسب مصادر “الصدى” فإن تقرير اللجنة سيحمل مفاجئات كبيرة وخطيرة ، وقد يرمي بشخصيات وازنة وراء القضبان و من أقوى الاحتمالات أن يكون الرئيس السابق ولد عبد العزيز في طليعتها ، نظرا لإعتراف الوزراء بمعلومات خطيرة تتهمه بالفساد وسوء استخدام السلطة ، وإن كان الأمر لا يخلي ذمة الوزراء إلا في حالة إستظهارهم بأوامر مكتوبة من الرئيس ، لكنه أيضا قد يورط ولد عبد العزيز بطريقة أو بأخرى خاصة في حالة إصراره على عدم التعاطي الإيجابي مع لجنة التحقيق ورفضه تلبية استدعائها كي ينفي التهم عن نفسه.
و أضافت مصادر “الصدى” أن اللجنة توصلت لما يكفي لإدانة أغلب الوزراء المستجوبين بالأدلة القاطعة ، والاعترافات الطوعية بعمليات فساد وتلاعب كارثية تقدر بمئات المليارات من الأوقية ، وأكد المصدر أن اللجنة حددت بشكل واضح وباعترافات الضالعين مبلغ مائة مليار أوقية قديمة يجب استرجاعه من هؤلاء على الفور للخزينة العامة للدولة ، هذا فضلا عن ملفات أخرى معقدة وشائكة .
وتفيد المصادر أن بعض جلسات الاستماع كانت صعبة وشهدت تشنجا وارتباكا لبعض “ضيوف” اللجنة ، لدرجة أن أحد رؤساء الحكومات صرخ في وجه اللجنة قائلا ، ما ذا تريدون منا ؟ هل تريدون تدميرنا و رمينا في السجون ، وتحملونا أوزار وأخطاء وكوارث ولد عبد العزيز ؟ هل تبحثون عن كبش فداء لولد عبد العزيز ؟ هل هذه هي مهمتكم ؟ ، ليرد عليه أحد أعضاء اللجنة معالي الوزير نحن نريد فقط الاستماع لإفادتكم حول بعض المعلومات التي كانت ضمن ملفات تسييركم ، فيرد الوزير المستجوب صارخا إذهبوا الى ولد عبد العزيز إنه مرتاح البال في منتجعه في بنشاب فهو المسؤول عن كل ما تتحدثون عنه وهناك ملفات أخطر من هذه أنتم لم تتطرقوا لها ، وانتم تعرفون أنه لا يوجد مسؤول يمكن أن يرفض أمرا للرئيس ، تلك هي طبيعة الأمور في منطقتنا العربية والإفريقية ، وفي بلادنا بالذات لا صوت يعلو على صوت الرئيس ، وأنتم تدركون ذلك جيدا ، فهل يستطيع ولد الشيخ سيديا اليوم رفض أو عصيان أوامر ولد الغزواني ؟ ، الرئيس هو الأمر الناهي في بلادنا منذ نشأتها ولا يمكن لوزير أن يقول للرئيس لن أنفذ تعليماتك قبل أن تكتبها لي رسميا ، إنه أمر مستحيل وأنتم تعرفون ذلك.
ويفيد المصدر أن اللجنة كانت تتعامل بمرونة شديدة مع مثل هذه الحالات التي يخرج فيها “الضيف” المستجوب عن طوره ويشعر بالإنهاك والارتباك او يتلفظ بعبارات غير لائقة ، وفي حالات كثيرة ترفع الجلسة ليتم استئنافها لاحقا بعد أن يستعيد الضيف توازنه
والشيء المؤكد أن الأيام و الأسابيع القادمة ستشهد سخونة في المشهد السياسي الوطني ، حيث يتوقع أن يتم استدعاء ولد عبد العزيز خلال أيام ، وحيث ستختم اللجنة أعمالها منتصف الشهر القادم ، مما يؤكد أن موريتانيا مقدمة على خريف سياسي ساخن..هل هي البداية الفعلية لمحاربة الفساد في البلاد عبر المؤسسات الدستورية بعيدا عن منطق تصفية الحسابات واستهداف المخالف سياسيا ؟ أم أن تقرير اللجنة البرلمانية سيسطدم بصخرة العقليات و الممارسات السائدة ويؤول مصيره الى الرفوف المظلمة في مباني الجمعية الوطنية ؟
وحدها الأيام والأسابيع القادمة في جعبتها الخبر اليقين …
المصدر : الصدى الورقية الصادرة بتاريخ الأربعاء 3ذي القعدة 1441هـ الموافق 24 يونيو 2020