يعيش فيها 800 مليونير ويطلق عليها لقب “عاصمة البوغاز” وارتبط اسمها بطوفان ..ما لا تعرفه عن “طنجة” المدينة الأغنى عربيا وعالمياً
صنف تقرير اقتصادي، مدينة طنجة، ضمن عشرين مدينة في افريقيا، تتوفر على أكبر قدر من الثروة، الى جانب كل من مدينتي الدار البيضاء ومراكش.
وتتوفر مدينة طنجة على أزيد من 800 مليونير، والعشرات من المليارديرات، مما مكنها من احتلال المرتبة الـ18 بإجمالي ثروة مملوكة للقطاع الخاص تبلغ 12 مليار دولار أمريكي.
جاء ذلك في تصنيف اورده الإصدار السابع لتقرير “الثروة في افريقيا” لسنة 2022، الصادر عن “هنلي آند بارتنر” بالشراكة مع “نيو وورلد هيلث”.
وجاءت مدينة الدار البيضاء في المركز الثامن في قائمة أغنى مدن افريقيا، باجمالي ثروة مملوكة للقطاع الخاص تبلغ 43 مليار دولار أمريكي، ثم مدينة مراكش في المركز ال17 باجمالي ثروة مملوكة للقطاع الخاص تبلغ 12 مليار دولار
لهذه المدينة سحرها الخاص وجمالها الفريد وبريقها النادر والأخَّاذ.. ماذا تعرف عن “عروس الشمال” مدينة طنجة أجمل مدن العرب والعالم؟
يلقبها المغاربة بعروس الشمال، وهي في حقيقة الأمر عروس الأرض، ففيها يعانق البحر المتوسط شقيقه الأكبر المحيط الأطلسي، وعندها تنتهي أفريقيا، ومنها تبدأ أوروبا. من أمام سواحلها تعبر كبرى سفن التجارة العالمية وفي تاريخها تلتقي الأسطورة الخيالية بالرواية الدينية.
تستأثر مدينة طنجة المغربية بأكثر المواقع الجغرافية حيوية وحساسية من الناحية السياسية وعلاقة المملكة بالعالم على مر التاريخ. ففيها أقام الرومان مملكتهم الطنجية، وبها استقر مقام الحكم الأموي الإسلامي بعد الفتح، ومنها انطلق الزحف العربي-الأمازيغي نحو الأندلس بقيادة طارق بن زياد، وفيها مولد وانطلاقة أشهر الرحالة على الإطلاق، محمد بن عبد الله المعروف بابن بطوطة.
مهر الأميرة الإنجليزية.. نقطة التوازن بين القوى عبر التاريخ
من هذه المدينة المغربية خرج الفتح الإسلامي نحو الأندلس، ومنها تسرّب فيروس الاستعمار الأجنبي، فقد غادرت بيت السيادة المغربية طيلة أكثر من قرنين، حين اختطفها الملك البرتغالي، ثم
أهداها مهرا لأميرة إنجليزية، لكنها لم تزل وفية لأصلها المغربي، حتى استعادت هويتها نهاية القرن الـ17.
هي قطعة استثنائية من المغرب، فيها نشأ عالم أوروبي نهاية القرن الـ19، تقاطعت فيه أطماع ورغبات القوى الدولية، لكنها أغوتهم جميعا وسلبتهم أرقى ما أنتجته الحضارة الإنسانية وقتها من فن وأدب ومسرح وسينما وصحافة وإذاعة وتلغراف، حتى أنها كانت تعيش زمنا يسبق الزمن المغربي بقرن أو يزيد.
الموقع الجغرافي للمدينة، أي ملتقى كل من البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، وإشرافها على مضيق جبل طارق؛ بقدر ما يجعلها مكشوفة أمام التيارات والقوى الدولية فقد ساهم في تحصينها، حيث جعلها نقطة توازن بين القوى الدولية عبر التاريخ، يحرم على أي منهم الاستئثار بها دون الآخرين.
“الطين جا”.. اسم طنجة الذي حير أساطير الحضارات
اسم طنجة لغز محيّر استعصى على المؤرخين واللسانيين وعلماء الآثار، فقد نسج كثير من الأساطير حول اسم المدينة، وكلّ أسطورة منها اعتمدت على حضارة معينة وقصة خاصة بها،
ومن هذه الأساطير أن ظهور مدينة طنجة يعود إلى طوفان بحريّ أدّى إلى حدوث صراع بين الرمز البحريّ القوي أطلس والعملاق أنطي، وكانت طنجة أرملة أنطي الذي قتله أطلس. ومن الروايات الأخرى أن المدينة مرتبطة بطوفان نوح المذكور في الكتب السماوية. وثمة قصة تشير إلى أن اسم طنجة يعود لاسم إحدى الأميرات سُمّيت المدينة على اسمها حتّى تكون تذكارا لها.
فالأسطورة الشفوية المتداولة تقول إنه بعد الطوفان ضلت سفينة نوح الطريق وهي تبحث عن اليابسة، وذات يوم حطت حمامة فوق السفينة وفي رجليها شيء من الوحل، فصاح ركاب السفينة “الطين جا.. الطين جا”، أي جاءت الأرض اليابسة، ومن ثم سميت المنطقة “طنجة”.
أما الأسطورة الإغريقية فتقول إن “أنتي” ابن “بوسيدون” و”غايا”، كان يهاجم المسافرين فيقتلهم ليصنع من جماجمهم معبدا أهداه فيما بعد لأبيه، وأطلق على مملكته اسم زوجته “طنجة” -بكسر الطاء وسكون النون- وكانت تمتد من مدينة سبتة إلى “ليكسوس” مدينة التفاحات الذهبية قرب العرائش.
وفي معركة قوية بين “هرقل” و”أنتي” استطاع “هرقل” أن يهزمه، وفي المعركة شقت إحدى ضربات سيفه مضيق البوغاز بين أوروبا والمغرب، ثم تزوج بعد ذلك زوجة “أنتي”، فأنجبت له “سوفوكس” الذي أنشأ مستعمرة “طنجيس”.
“طنجيس”.. اسم محلي بصبغة التفنيق والتعريب
كلمة “طنجة” كما وردت في النصوص التي تحكي أساطير اسم المدينة متشابهة، لكنها متعدد الرسم والصيغ. ولعل أهم ما يمكن الاهتداء به صيغتان وردتا في نقود الفينيقيين الذين وصلوا إلى طنجة قبل أن يعرفها الإغريق أو اللاتينيون، حيث نجد صيغتين هما “تنكا” و”تتكا”.
الاسم إذن أصلي محلّي من لغة أهل البلد، وجده الفينيقيون فكتبوه كما هو أو كتبوه بشيء قليل من التحريف ليتماشى مع التفنيق، ثم جاء العرب فكتبوه بشيء من التصحيف ليتماشى مع التعريب، ولا يمكن أن نقول إنه اسم فينيقي مستورد.
الصيغة الواردة في النصوص اللاتينية هي “طِنجيس”، وهي نفسها الواردة عند الفينيقيين بزيادة حرف السين التي تكررت زيادتها في أواخر أسماء عدد من المدن في إيبيريا أو في شمال أفريقيا، كما وردت في أوصاف الجغرافيين وغيرهم من الكتاب في العهد الروماني.
ورغم قدم ورسوخ استعمال كلمة “طنجة” في المصادر العربية، من بداية الفتح الإسلامي، فإن الباحثين لا يجدون معنى مشتقا من اللغة العربية لهذا الاسم، فالقاموس العربي لا يتضمن إلا مادة قليلة من أصل “ط ن ج”، حيث يتضمن لسان العرب كلمة “الطنوج” التي تعني الأسفار،
وفعل طنّج الذي يعني تفنن في الكلام، وبالتالي يرجح أن اسم المدينة تحدر من الأصل الفينيقي الأول، عكس ما تذهب إليه بعض المصادر الغربية التي تربط الاسم ببعض الأساطير والقصص الاغريقية.
موريتانيا الطنجية.. صراع الحضارات في أقدم حواضر المغرب الأقصى
كانت طنجة قبل الإسلام بوابة الغزاة الآتين من الغرب، وأصبحت بعد الإسلام بوابة المغرب المسلم ومعه العالم الإسلامي كله إلى الغرب، وهي درة عقد الثغور الشاطئية المغربية على الأبيض المتوسط التي شكلت خط الدفاع الأول عن المغرب المسلم.
والثابت أن المدينة واحدة من أقدم الحواضر المعروفة في المغرب الأقصى، حيث ذكرها الكاتب اليوناني “هيكاتي دوميلي”، وهو جغرافي ومؤرخ، وذلك في القرن السادس قبل الميلاد. كما أنها إحدى الممالك الرئيسية التي احتفظت باستقلالها لمدة طويلة، في ظل تواصلها مع روما إثر انهيار الدولة القرطاجية، وحين قررت روما أن تقضي على الدولة الموريتانية القائمة في شمال أفريقيا،
وتحكم البلاد بشكل مباشر، قسمت المنطقة إلى شطرين، واحد شرقي وأطلقت عليه اسم موريتانيا القيصرية، وآخر غربي وأسمته موريتانيا الطنجية، نسبة إلى طنجة.
وبعد وصول الفتح الإسلامي إلى أبعد نقطة في شمال أفريقيا ووصوله إلى الساحل الأطلسي، استقر بها ولاة الدولة الأموية، إلى أن أصبحت محطة الأمان والاستقرار في رحلة المولى إدريس، مؤسس أول دولة إسلامية مستقلة في المغرب، حين نزل بها قادما من مكة إلى المغرب، فقد أقام بهذه المدينة سنتين أو أكثر قليلا قبل أن يتوجه إلى منطقة أوربة -قرب مدينة مكناس- ليقيم دعائم دولة المغرب الإسلامية.
مسجد طارق بن زياد.. معسكر صناعة الحلم الأندلسي
تجمع جميع الروايات على أن المولى إدريس قد تفرغ عند مقامه بطنجة لدعوة الناس وإرشادهم وتعليمهم، فتألفت القلوب حوله وشاع ذكر صلاحه وشرفه بين الناس، فقصدوه وعكفوا على مجالسته، ولربما قام برحلات هنا وهناك في المناطق القريبة من المدينة.
وقد وضع مقام المولى إدريس بطنجة لمدة سنتين، واعتكافه على تعليم الناس وإرشادهم ودعوتهم إلى الإسلام السني؛ اللبنات الأولى والبذرة الخيرة لانتشار وشيوع اللغة العربية بين الناس في هذه المنطقة، لقد رسمت الرحلة الإدريسية لهذه المدينة ومقامه بها مستقبل المغرب السياسي والحضاري ورسالته الإسلامية ودوره التاريخي.
وقبل تكليفه بالمهمة التي ستدخل كتب التاريخ، أي فتح الأندلس، ولى موسى بن نصير طارق بن زياد مهمة وال على مدينة طنجة المغربية، كخطوة أخيرة قبل عبور البحر المتوسط.
ومن الآثار القليلة التي احتفظت بها سجلات التاريخ عن مرحلة إقامة طارق بن زياد في مدينة طنجة وحكمه لها، ما تقول بعض المصادر إنه مسجد بناه هذا القائد الإسلامي في منطقة الشرافات، غير بعيد عن مدينة شفشاون الجبلية المغربية، ويرجّح أن يكون أول مسجد بني في بلاد المغرب الأقصى.
يحمل هذا المسجد القائم حتى الآن اسم طارق بن زياد، ويعتبره بعض المؤرخين منطلقا لرحلة المسلمين نحو فتح الأندلس، فمنطقة المسجد كانت معسكرا لجيش طارق بن زياد خلال فترة حكمه لمدينة طنجة ومحيطها، وهو المعسكر الذي تطلب بناء مسجد.
بدأ الحلم الأندلسي يراود المسلمين منذ تمكن عقبة بن نافع من فتح الشمال الأفريقي، حتى وصل إلى المحيط الأطلسي سنة 62 للهجرة، وتحديدا إلى مدينة طنجة، حين كان “يليان” يحكم المدينة، ولم يجد بدا من الاستسلام، بل ووضع نفسه أيضا في خدمة المسلمين، محتفظا لنفسه بمدينة سبتة المنيعة.
المولى إسماعيل.. نهاية قرنين من الاحتلال البرتغالي
وقع انقطاع كبير في كتابة تاريخ طنجة، ذلك أنها وبعد سقوطها تحت الاحتلال البرتغالي، جلا المحتل عنها جل سكانها المغاربة، فغير الأوروبيون ما شاءوا أن يغيروه في معالم المدينة، فلما عاد إليها المغاربة المسلمون وجدوها خرابا واضطروا إلى بناء مدينة إسلامية جديدة، وهو ما يفسر افتقار المدينة للآثار الأندلسية في عمارتها، رغم أنها أقرب المدن المغربية إلى الأندلس وأكثرها تأثرا به.
فبعد سقوط الأندلس واختلال ميزان القوى لصالح الضفة الشمالية للمتوسط، حاول البرتغاليون السيطرة على طنجة مع بداية القرن الـ15 للميلاد، وذلك في سياق تمكن الأوروبيين من احتلال عدد من المواقع على السواحل المغربية.
كما تمكن البرتغاليون من إخضاع المدينة سنة 1471، ومكثوا فيها حتى سنة 1662، حين تزوج ملك إنجلترا “شارل الثاني”، بأميرة البرتغال “كاترينا” التي لم يكن صداقها سوى مدينة طنجة التي كانت تجسد أهمية كبيرة لبريطانيا لقربها من جبل طارق، لكن سرعان ما اضطر الجيش البريطاني لمغادرتها، لحدة الهجمات المغربية عليها وارتفاع كلفة صيانة مينائها وحمايته.
وقد قاد السلطان العلوي المولى إسماعيل عملية الجهاد لتحرير طنجة من الوجود الإنجليزي، وكلف بتلك المهمة القائد الشهير علي بن عبد الله الريفي، فقاد جيشه بنجاح إلى اقتحام قصبة المدينة والسيطرة على أبراجها، وذلك سنة 1684.
وبعد تخلصها من الاحتلال الأجنبي، عادت مدينة طنجة لتلعب دورا حيويا في التاريخ الحديث للمغرب، فتبوأت بسرعة مكانة العاصمة الدبلوماسية والبوابة الحضارية للمغرب، ومنذ تمكن المغرب من طرد الأجانب من ثغوره -حين استرجع مدينة العرائش من الإسبان وطنجة من البريطانيين- تحولت مدينة طنجة إلى عاصمة دبلوماسية، بدل مدينة تطوان التي كان يقيم بها نائب السلطان عادة.
علي باي العباسي.. طنجة في مرمى الاستخبارات الاستعمارية
يعود الاهتمام الاستخباراتي الغربي الحديث بطنجة إلى وقت مبكر من القرن الـ19، فقد خلّف الجاسوس الإسباني “دومنغو باديا” -المعروف بلقب علي باي العباسي- وصفا دقيقا لمدينة طنجة التي حلّ بها عام 1803، وكان قد بُعث إلى المغرب لإسقاط السلطان مولاي سليمان المتحالف مع بريطانيا من أجل جبل طارق.
والحقيقة أن الجاسوس الإسباني صادف بالفعل وجود السلطان المغربي في مدينة طنجة، لأن سفينة مغربية استولت على سفينة أمريكية، فتدخل الأسطول الأمريكي لافتكاكها وأسر قائد السفينة المغربية وطالب بحضور السلطان شخصيا لإنهاء الموضوع من خلال تصديقه على المعاهدات المبرمة بين البلدين، وهو السياق الذي يعني أن مقام السلطان كان بغرض معين وفي سياق متوتر.
فالعهد العلوي هو الذي تبلورت فيه شخصية مدينة طنجة كقاعدة متقدمة من قواعد المغرب الحضارية الكبرى كفاس ومكناس ومراكش، وبالرغم من أنها لم تكن يوما عاصمة للمغرب، فإنها لعبت أدوار العواصم في بعض من أدق وأخطر المراحل التاريخية، وتجسد ذلك في رحلات مشهودة قام بها سلاطين مغاربة إلى هذه المدينة لتأكيد سيادتهم عليها، مثل زيارة السلطان الحسن الأول أواخر القرن الـ19، ورحلة شهيرة للسلطان محمد الخامس سنة 1947، وقد مثلت الشرارة الأولى لثورة عارمة ستنتهي باستقلال المغرب، لما كانت تمثله هذه المدينة من تقسيم وتفتيت للمغرب.
يعيش فيها 800 مليونير ويطلق عليها لقب “عاصمة البوغاز” وارتبط اسمها بطوفان ..ما لا تعرفه عن “طنجة” المدينة الأغنى عربيا وعالمياً
صنف تقرير اقتصادي، مدينة طنجة، ضمن عشرين مدينة في افريقيا، تتوفر على أكبر قدر من الثروة، الى جانب كل من مدينتي الدار البيضاء ومراكش.
وتتوفر مدينة طنجة على أزيد من 800 مليونير، والعشرات من المليارديرات، مما مكنها من احتلال المرتبة الـ18 بإجمالي ثروة مملوكة للقطاع الخاص تبلغ 12 مليار دولار أمريكي.
جاء ذلك في تصنيف اورده الإصدار السابع لتقرير “الثروة في افريقيا” لسنة 2022، الصادر عن “هنلي آند بارتنر” بالشراكة مع “نيو وورلد هيلث”.
وجاءت مدينة الدار البيضاء في المركز الثامن في قائمة أغنى مدن افريقيا، باجمالي ثروة مملوكة للقطاع الخاص تبلغ 43 مليار دولار أمريكي، ثم مدينة مراكش في المركز ال17 باجمالي ثروة مملوكة للقطاع الخاص تبلغ 12 مليار دولار
لهذه المدينة سحرها الخاص وجمالها الفريد وبريقها النادر والأخَّاذ.. ماذا تعرف عن “عروس الشمال” مدينة طنجة أجمل مدن العرب والعالم؟
يلقبها المغاربة بعروس الشمال، وهي في حقيقة الأمر عروس الأرض، ففيها يعانق البحر المتوسط شقيقه الأكبر المحيط الأطلسي، وعندها تنتهي أفريقيا، ومنها تبدأ أوروبا. من أمام سواحلها تعبر كبرى سفن التجارة العالمية وفي تاريخها تلتقي الأسطورة الخيالية بالرواية الدينية.
تستأثر مدينة طنجة المغربية بأكثر المواقع الجغرافية حيوية وحساسية من الناحية السياسية وعلاقة المملكة بالعالم على مر التاريخ. ففيها أقام الرومان مملكتهم الطنجية، وبها استقر مقام الحكم الأموي الإسلامي بعد الفتح، ومنها انطلق الزحف العربي-الأمازيغي نحو الأندلس بقيادة طارق بن زياد، وفيها مولد وانطلاقة أشهر الرحالة على الإطلاق، محمد بن عبد الله المعروف بابن بطوطة.
مهر الأميرة الإنجليزية.. نقطة التوازن بين القوى عبر التاريخ
من هذه المدينة المغربية خرج الفتح الإسلامي نحو الأندلس، ومنها تسرّب فيروس الاستعمار الأجنبي، فقد غادرت بيت السيادة المغربية طيلة أكثر من قرنين، حين اختطفها الملك البرتغالي، ثم أهداها مهرا لأميرة إنجليزية، لكنها لم تزل وفية لأصلها المغربي، حتى استعادت هويتها نهاية القرن الـ17.
هي قطعة استثنائية من المغرب، فيها نشأ عالم أوروبي نهاية القرن الـ19، تقاطعت فيه أطماع ورغبات القوى الدولية، لكنها أغوتهم جميعا وسلبتهم أرقى ما أنتجته الحضارة الإنسانية وقتها من فن وأدب ومسرح وسينما وصحافة وإذاعة وتلغراف، حتى أنها كانت تعيش زمنا يسبق الزمن المغربي بقرن أو يزيد.
الموقع الجغرافي للمدينة، أي ملتقى كل من البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، وإشرافها على مضيق جبل طارق؛ بقدر ما يجعلها مكشوفة أمام التيارات والقوى الدولية فقد ساهم في تحصينها، حيث جعلها نقطة توازن بين القوى الدولية عبر التاريخ، يحرم على أي منهم الاستئثار بها دون الآخرين.
“الطين جا”.. اسم طنجة الذي حير أساطير الحضارات
اسم طنجة لغز محيّر استعصى على المؤرخين واللسانيين وعلماء الآثار، فقد نسج كثير من الأساطير حول اسم المدينة، وكلّ أسطورة منها اعتمدت على حضارة معينة وقصة خاصة بها،
ومن هذه الأساطير أن ظهور مدينة طنجة يعود إلى طوفان بحريّ أدّى إلى حدوث صراع بين الرمز البحريّ القوي أطلس والعملاق أنطي، وكانت طنجة أرملة أنطي الذي قتله أطلس. ومن الروايات الأخرى أن المدينة مرتبطة بطوفان نوح المذكور في الكتب السماوية. وثمة قصة تشير إلى أن اسم طنجة يعود لاسم إحدى الأميرات سُمّيت المدينة على اسمها حتّى تكون تذكارا لها.
فالأسطورة الشفوية المتداولة تقول إنه بعد الطوفان ضلت سفينة نوح الطريق وهي تبحث عن اليابسة، وذات يوم حطت حمامة فوق السفينة وفي رجليها شيء من الوحل، فصاح ركاب السفينة “الطين جا.. الطين جا”، أي جاءت الأرض اليابسة، ومن ثم سميت المنطقة “طنجة”.
أما الأسطورة الإغريقية فتقول إن “أنتي” ابن “بوسيدون” و”غايا”، كان يهاجم المسافرين فيقتلهم ليصنع من جماجمهم معبدا أهداه فيما بعد لأبيه، وأطلق على مملكته اسم زوجته “طنجة” -بكسر الطاء وسكون النون- وكانت تمتد من مدينة سبتة إلى “ليكسوس” مدينة التفاحات الذهبية قرب العرائش.
وفي معركة قوية بين “هرقل” و”أنتي” استطاع “هرقل” أن يهزمه، وفي المعركة شقت إحدى ضربات سيفه مضيق البوغاز بين أوروبا والمغرب، ثم تزوج بعد ذلك زوجة “أنتي”، فأنجبت له “سوفوكس” الذي أنشأ مستعمرة “طنجيس”.
“طنجيس”.. اسم محلي بصبغة التفنيق والتعريب
كلمة “طنجة” كما وردت في النصوص التي تحكي أساطير اسم المدينة متشابهة، لكنها متعدد الرسم والصيغ. ولعل أهم ما يمكن الاهتداء به صيغتان وردتا في نقود الفينيقيين الذين وصلوا إلى طنجة قبل أن يعرفها الإغريق أو اللاتينيون، حيث نجد صيغتين هما “تنكا” و”تتكا”.
الاسم إذن أصلي محلّي من لغة أهل البلد، وجده الفينيقيون فكتبوه كما هو أو كتبوه بشيء قليل من التحريف ليتماشى مع التفنيق، ثم جاء العرب فكتبوه بشيء من التصحيف ليتماشى مع التعريب، ولا يمكن أن نقول إنه اسم فينيقي مستورد.
الصيغة الواردة في النصوص اللاتينية هي “طِنجيس”، وهي نفسها الواردة عند الفينيقيين بزيادة حرف السين التي تكررت زيادتها في أواخر أسماء عدد من المدن في إيبيريا أو في شمال أفريقيا، كما وردت في أوصاف الجغرافيين وغيرهم من الكتاب في العهد الروماني.
ورغم قدم ورسوخ استعمال كلمة “طنجة” في المصادر العربية، من بداية الفتح الإسلامي، فإن الباحثين لا يجدون معنى مشتقا من اللغة العربية لهذا الاسم، فالقاموس العربي لا يتضمن إلا مادة قليلة من أصل “ط ن ج”، حيث يتضمن لسان العرب كلمة “الطنوج” التي تعني الأسفار،
وفعل طنّج الذي يعني تفنن في الكلام، وبالتالي يرجح أن اسم المدينة تحدر من الأصل الفينيقي الأول، عكس ما تذهب إليه بعض المصادر الغربية التي تربط الاسم ببعض الأساطير والقصص الاغريقية.
موريتانيا الطنجية.. صراع الحضارات في أقدم حواضر المغرب الأقصى
كانت طنجة قبل الإسلام بوابة الغزاة الآتين من الغرب، وأصبحت بعد الإسلام بوابة المغرب المسلم ومعه العالم الإسلامي كله إلى الغرب، وهي درة عقد الثغور الشاطئية المغربية على الأبيض المتوسط التي شكلت خط الدفاع الأول عن المغرب المسلم.
والثابت أن المدينة واحدة من أقدم الحواضر المعروفة في المغرب الأقصى، حيث ذكرها الكاتب اليوناني “هيكاتي دوميلي”، وهو جغرافي ومؤرخ، وذلك في القرن السادس قبل الميلاد. كما أنها إحدى الممالك الرئيسية التي احتفظت باستقلالها لمدة طويلة، في ظل تواصلها مع روما إثر انهيار الدولة القرطاجية، وحين قررت روما أن تقضي على الدولة الموريتانية القائمة في شمال أفريقيا،
وتحكم البلاد بشكل مباشر، قسمت المنطقة إلى شطرين، واحد شرقي وأطلقت عليه اسم موريتانيا القيصرية، وآخر غربي وأسمته موريتانيا الطنجية، نسبة إلى طنجة.
وبعد وصول الفتح الإسلامي إلى أبعد نقطة في شمال أفريقيا ووصوله إلى الساحل الأطلسي، استقر بها ولاة الدولة الأموية، إلى أن أصبحت محطة الأمان والاستقرار في رحلة المولى إدريس، مؤسس أول دولة إسلامية مستقلة في المغرب، حين نزل بها قادما من مكة إلى المغرب، فقد أقام بهذه المدينة سنتين أو أكثر قليلا قبل أن يتوجه إلى منطقة أوربة -قرب مدينة مكناس- ليقيم دعائم دولة المغرب الإسلامية.
مسجد طارق بن زياد.. معسكر صناعة الحلم الأندلسي
تجمع جميع الروايات على أن المولى إدريس قد تفرغ عند مقامه بطنجة لدعوة الناس وإرشادهم وتعليمهم، فتألفت القلوب حوله وشاع ذكر صلاحه وشرفه بين الناس، فقصدوه وعكفوا على مجالسته، ولربما قام برحلات هنا وهناك في المناطق القريبة من المدينة.
وقد وضع مقام المولى إدريس بطنجة لمدة سنتين، واعتكافه على تعليم الناس وإرشادهم ودعوتهم إلى الإسلام السني؛ اللبنات الأولى والبذرة الخيرة لانتشار وشيوع اللغة العربية بين الناس في هذه المنطقة، لقد رسمت الرحلة الإدريسية لهذه المدينة ومقامه بها مستقبل المغرب السياسي والحضاري ورسالته الإسلامية ودوره التاريخي.
وقبل تكليفه بالمهمة التي ستدخل كتب التاريخ، أي فتح الأندلس، ولى موسى بن نصير طارق بن زياد مهمة وال على مدينة طنجة المغربية، كخطوة أخيرة قبل عبور البحر المتوسط.
ومن الآثار القليلة التي احتفظت بها سجلات التاريخ عن مرحلة إقامة طارق بن زياد في مدينة طنجة وحكمه لها، ما تقول بعض المصادر إنه مسجد بناه هذا القائد الإسلامي في منطقة الشرافات، غير بعيد عن مدينة شفشاون الجبلية المغربية، ويرجّح أن يكون أول مسجد بني في بلاد المغرب الأقصى.
يحمل هذا المسجد القائم حتى الآن اسم طارق بن زياد، ويعتبره بعض المؤرخين منطلقا لرحلة المسلمين نحو فتح الأندلس، فمنطقة المسجد كانت معسكرا لجيش طارق بن زياد خلال فترة حكمه لمدينة طنجة ومحيطها، وهو المعسكر الذي تطلب بناء مسجد.
بدأ الحلم الأندلسي يراود المسلمين منذ تمكن عقبة بن نافع من فتح الشمال الأفريقي، حتى وصل إلى المحيط الأطلسي سنة 62 للهجرة، وتحديدا إلى مدينة طنجة، حين كان “يليان” يحكم المدينة، ولم يجد بدا من الاستسلام، بل ووضع نفسه أيضا في خدمة المسلمين، محتفظا لنفسه بمدينة سبتة المنيعة.
المولى إسماعيل.. نهاية قرنين من الاحتلال البرتغالي
وقع انقطاع كبير في كتابة تاريخ طنجة، ذلك أنها وبعد سقوطها تحت الاحتلال البرتغالي، جلا المحتل عنها جل سكانها المغاربة، فغير الأوروبيون ما شاءوا أن يغيروه في معالم المدينة، فلما عاد إليها المغاربة المسلمون وجدوها خرابا واضطروا إلى بناء مدينة إسلامية جديدة، وهو ما يفسر افتقار المدينة للآثار الأندلسية في عمارتها، رغم أنها أقرب المدن المغربية إلى الأندلس وأكثرها تأثرا به.
فبعد سقوط الأندلس واختلال ميزان القوى لصالح الضفة الشمالية للمتوسط، حاول البرتغاليون السيطرة على طنجة مع بداية القرن الـ15 للميلاد، وذلك في سياق تمكن الأوروبيين من احتلال عدد من المواقع على السواحل المغربية.
كما تمكن البرتغاليون من إخضاع المدينة سنة 1471، ومكثوا فيها حتى سنة 1662، حين تزوج ملك إنجلترا “شارل الثاني”، بأميرة البرتغال “كاترينا” التي لم يكن صداقها سوى مدينة طنجة التي كانت تجسد أهمية كبيرة لبريطانيا لقربها من جبل طارق، لكن سرعان ما اضطر الجيش البريطاني لمغادرتها، لحدة الهجمات المغربية عليها وارتفاع كلفة صيانة مينائها وحمايته.
وقد قاد السلطان العلوي المولى إسماعيل عملية الجهاد لتحرير طنجة من الوجود الإنجليزي، وكلف بتلك المهمة القائد الشهير علي بن عبد الله الريفي، فقاد جيشه بنجاح إلى اقتحام قصبة المدينة والسيطرة على أبراجها، وذلك سنة 1684.
وبعد تخلصها من الاحتلال الأجنبي، عادت مدينة طنجة لتلعب دورا حيويا في التاريخ الحديث للمغرب، فتبوأت بسرعة مكانة العاصمة الدبلوماسية والبوابة الحضارية للمغرب، ومنذ تمكن المغرب من طرد الأجانب من ثغوره -حين استرجع مدينة العرائش من الإسبان وطنجة من البريطانيين- تحولت مدينة طنجة إلى عاصمة دبلوماسية، بدل مدينة تطوان التي كان يقيم بها نائب السلطان عادة.
علي باي العباسي.. طنجة في مرمى الاستخبارات الاستعمارية
يعود الاهتمام الاستخباراتي الغربي الحديث بطنجة إلى وقت مبكر من القرن الـ19، فقد خلّف الجاسوس الإسباني “دومنغو باديا” -المعروف بلقب علي باي العباسي- وصفا دقيقا لمدينة طنجة التي حلّ بها عام 1803، وكان قد بُعث إلى المغرب لإسقاط السلطان مولاي سليمان المتحالف مع بريطانيا من أجل جبل طارق.
والحقيقة أن الجاسوس الإسباني صادف بالفعل وجود السلطان المغربي في مدينة طنجة، لأن سفينة مغربية استولت على سفينة أمريكية، فتدخل الأسطول الأمريكي لافتكاكها وأسر قائد السفينة المغربية وطالب بحضور السلطان شخصيا لإنهاء الموضوع من خلال تصديقه على المعاهدات المبرمة بين البلدين، وهو السياق الذي يعني أن مقام السلطان كان بغرض معين وفي سياق متوتر.
فالعهد العلوي هو الذي تبلورت فيه شخصية مدينة طنجة كقاعدة متقدمة من قواعد المغرب الحضارية الكبرى كفاس ومكناس ومراكش، وبالرغم من أنها لم تكن يوما عاصمة للمغرب، فإنها لعبت أدوار العواصم في بعض من أدق وأخطر المراحل التاريخية، وتجسد ذلك في رحلات مشهودة قام بها سلاطين مغاربة إلى هذه المدينة لتأكيد سيادتهم عليها، مثل زيارة السلطان الحسن الأول أواخر القرن الـ19، ورحلة شهيرة للسلطان محمد الخامس سنة 1947، وقد مثلت الشرارة الأولى لثورة عارمة ستنتهي باستقلال المغرب، لما كانت تمثله هذه المدينة من تقسيم وتفتيت للمغرب.