وداعا محمود.. هنيئا امادي
محمود.. هكذا اسمه عند كل من عايشه. هو – في الحقيقة - اسم على مسمى، هو محمود في تواضعه وقربه من كل الناس، في بذله وسعيه في مصالح الناس، في لين تعامله وصلابة مواقفه، في رويته وفي إقدامه.
حين تلتقيه يدخل إلى قلبك منذ اللحظة الأولى، ودون الحاجة إلى استئذان أو تمهيد، وينشرح له صدرك، فلا تشعر أو تتمالك إلا وقد أفضيت إليه بأسرارك وبثثه همومك وهواجسك؛ ولن تندم. فستجد موعظة مؤثرة، ونصحا صادقا، ومواساة غير ممنونة، ودعابة لا تكلف فيها ولا إحراج، وستكتشف أخا كريما وصديقا نبيلا، وخلا وفيا..
يشهد له كل من عرفه عن قرب، في السراء وفي الضراء، بخصال لا يختلف عليها اثنان: الاستقامة على الطاعات، وروح المبادرة، ورباطة الجأش، والقدرة على بناء العلاقات. وهي خصال هيأته لإطلاق ودعم مشاريع إعلامية ودعوية واجتماعية ناجحة، والحضور المؤثر في أحداث حساسة، ولحظات حاسمة، خاصة في مرحلة مواجهة التيار الإسلامي مع نظام ولد الطايع، كما مكنته من وضع نخبة من الشباب على سكة النجاح بعيدا عن سبل الانحراف والغلو، وأتاحت له بناء شبكة علاقات واسعة في مختلف أوساط المجتمع وفئاته ومكوناته.
تولى رئاسة حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل" في مرحلة خاصة، شهدت أول تجربة للتناوب على قيادة الحزب، كما كانت أول تجربة له في صدارة العمل السياسي العام، فاستطاع أن يعزز مكاسب الحزب انتخابيا، ويوسع من دائرة انتشاره اجتماعيا وجغرافيا، وفوق هذا وذاك نجح في العبور بالحزب في مرحلة تحولات سياسية غير مسبوقة في البلاد راهن كثيرون على فشله في تجاوزها بسلام، معولين على اعتبارات شخصية وسياسية لم يأخذ أصحابها في الحسبان طبيعة الرجل ومهاراته التي لم تكن يوما للتباهي أو الاستعراض، لكنها تظهر في الوقت المناسب، وبالأسلوب المناسب، ووفق الطبيعة الخاصة لـ"محمود".
لقيت "محمود" أول مرة سنة 2000في بيته. وما زال إلى اليوم رغم مرور عقدين من الزمن كما عرفته في ذلك اللقاء، متواضعا في غير مهانة، مهابا في غير تكبر، يحسن الاستماع، مخبتا، زاهدا في المظاهر، صادق النصح، طويل الإنصات.
أسأل الله له التوفيق في اهتماماته الجديدة التي أرجح أن يبتعد فيها عن السياسة، وإن كنت لا أستبعد أن يواكب المرحلة القادمة، فهو من رافعات الحزب الانتخابية التي يعول عليها.
أما الشيخ امادي، فهو شخصية متكاملة، جمعت العمل السياسي، والتجربة البرلمانية، والميدانية، إلى المعرفة الشرعية والفهم الواقعي، وهو يلتقي مع سلفه في التواضع، والإخبات، والبعد عن المظاهر، والزهد في الظهور.
يجزم كثير من العارفين به على أن شخصيته تخفي الكثير من قدراته السياسية والإدارية، ويقولون إن أهل "تواصل" أحسنوا الاختيار، ووفقوا فيه، وأعطوا القوس باريها، واختاروا خير خلف لخير سلف.
كانت أولى كلماته أمام المؤتمر بعد اختياره واضحة، ومتماسكة، وقوية.. تليق بمن تولى قمرة قيادة أكبر تشكلة معارضة، وأكثرها مؤسسية، وأوسعها انتشارا، وقد أظهرت تلك الكلمة استحضاره لهذه النقاط البارزة في حزبه، ووضوح رؤيته، حين أعلن من اللحظة الأولى الدخول في مرحلة التحضير للانتخابات، وهي الانتخابات التي ستكون أول اختبار له وللطاقم الذي سيتولى معه قيادة الحزب خلال السنوات الخمس القادمة..
ابن مدينة كيفة، وخريج محاظرها العريقة، ودارس "القضايا الفقهية المعاصرة"، استلم القيادة من "محمود" في مرحلة مهمة من تاريخ البلد ومحطة مهمة أيضا من تاريخ حزبه.
امادي شاب أربعيني يقود حزبه وهو في نفس سن رئيسه المؤسس محمد جميل ولد منصور أيام قيادته للحزب قبل حوالي 15 عاما.
هنيئا للرئيس مادي ثقة التواصليين فيه، وهنيئا لتواصل - وخاصة قيادات تواصل - الارتياح للتناوب وتبادل التهاني في رابع استحقاق لهم، وهما ميزتان ( احترام آجال الموتمرات والتناوب على القيادة) سجلهما تواصل باسمه واستحق بهما الريادة في تاريخ العمل السياسي في هذه البلاد.