نص التدوينة
الاستدلال بقوله تعالى في سورة الزخرف: "أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ" لتشريع العبودية وتأصيل الطبقية في مجتمعات المسلمين أمر في غاية الحيف ومجانبة الصواب، فالحديث في الآية الكريمة عن الحالة المعيشية للأفراد (معيشتهم) والتي من طبيعتها التباين بحكم التفاوت في قدراتهم وإمكاناتهم ومختلف أوضاعهم، وهو ما أسس عليه القرآن لصناعة التكامل، حيث حول هذا التفاوت إلى دافع للتكامل، فمن وضع "رفعنا بعضهم فوق بعض درجات" نصنع التكامل ويتخذ أفراد المجتمع "بعضهم بعضا سخريا"، وهي حالة لا تخفى فيها دلالة التبادل والمقابلة والكلية، فكل بعضٍ مسخرٌ للآخر. وحالة السخرة متبادلة بعكس حالة الإستعباد التي يهيمن فيها طرف بالكامل على الآخر ويسلبه حريته بالمطلق.
إن العبودية نقيض الدين، وخطاب التكليف قاعدته الحرية التي هي أصل لا يرتفع إلا بنص قطعي ولا يُتأول له مطلقا.
وتعامل المسلمين مع وضع الاستعباد الذي هو موروث جاهلي في الفترة الأولى وإن اتسم بالتدرج إلا أن غاية النصوص ومقصدها ظل الوصول بالناس إلى وضع المساواة المطلقة الذي لا فضل فيه لفرد على فرد إلا بعمله ومجهوده والذي لا تزر فيه وازرة وزر أخرى.
وما فتحه بعض الفقهاء لاحقا من إمكان استعباد أسرى المحاربين الكفار على قاعدة المعاملة بالمثل في حالة بدؤونا بذلك مجرد اجتهاد آني غير مؤصل بالمطلق ولا يعتد به في عالمنا اليوم.
ولن يتمكن أي كان من تحويل هذا الدين من دين تحرر ومساواة إلى دين استعباد وطبقية، إذ مقاصد الشرع وغاياته المعززة بنصوصه القطعية تظل أقوى من ممارسات الناس الخاطئة مهما ألبست من لبوس.