فى الثالث من دجمبر 2010 حملت التقارير الواردة من كونغرس الفيفا، أحد أهم الأخبار الكروية بالنسبة للأمة العربية والإسلامية ، " فوز دولة قطر الشقيقة بشرف تنظيم كأس العالم 2022".
كانت لحظة عاطفية بامتياز، وكانت رسالة تحول فى أحلام الأمة الإسلامية وطموح رجالاتها، بعدما كانت مجمل التحليلات والتخمينات تميل إلى منح البطولة لأمريكا ذات المكانة الإقتصادية والسياسية والنفوذ العابر للقارات، أو اليابان ذات الحضور العالمى ، أو كوريا الجنوبية أبرز دول آسيا الصاعدة، أو أستراليا القارة الحالمة بخطف الأضواء من بلد صغير، قرر أميره أن ينافس الكبار بكل جرأة وقوة وكانت ثقته بالله جد كبيرة.
كان الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثانى لحظة إعلان الخبر يكفكف دموعه وهو يحقق أحد الأحلام التاريخية للملايين من العرب والمسلمين قائلا " إن قطر دولة صغيرة لكنها تستطيع رفع التحديات، مضيفا بأنه حتى لو كانت قطر قد خسرت الرهان، فإنها ستعيد المحاولة لأن الحياة كلها تجارب".
كان رئيس الوفد القطرى الشيخ محمد بن حمد آل ثانى مبدعا فى ملفه، مقدما شهادة مكتملة لميلاد أمة رياضية أبت إلا أن تكون صاحبة الريادة والتأثير فى عالم الإعلام والرياضة والدبلوماسية، رغم أنها بمفهوم البعض مجرد دولة صغيرة، تحاول أن تجد لنفسها بشكل متعسف موطء قدم بين الكبار.
كانت اللحظة بداية لحملة تشهير واسعة داخل مجمل الدوائر العالمية، وتصدرتها الصحف الإبريطانية الباحثة عن كل خبر قد يعرقل فوز قطر بشرف تنظيم المونديال، وتحالفت معها بعض الدوائر العربية التى غاظها الحضور القطرى فى عالم الكرة، وأبعد منها لعقود فرصة الفوز بأي بطولة من الحجم الكبير.
لم تقم الحكومة القطرية بأي إجراء سلبى تجاه الجوار القريب وقاومت الغرب بكل ما أوتيت من قوة اعلامية وسياسية وعلاقة مسؤولة بالعديد من دوائر صنع القرار، وفى الداخل حاول الأمير الوالد طمأنة كل الدول العربية المتحفظة قائلا " إنه مونديال العرب وليس مونديال قطر" داعيا مجمل الرؤساء والأمراء والملوك إلى التعاون من أجل تنظيم نسخة تعكس مكانة الأمة العربية فى عالم اليوم ، وتعيد للتاريخ الإسلامى جذوته ومكانته، وتحقيق أحلام الجيل الشبابى الصاعد، والوقوف فى حملات التشويه والترهيب والتخوين والإبتزاز القادمة من وراء البحار.
رمت الفيفا تحت الضغط الأمريكى والإبريطاني بثقلها لفتح ملف المونديال من جديد، عبر تحقيق دولى قادته لجنة أخلاقيات الفيفا، وبعد سنتين من طرق كل الأبواب وبعثرة كل الوثائق، ومتابعة كل الحسابات البنكية ، ونقاش ملفات جنوب افريقيا 2010 والبرازيل 2014، وروسيا 2018 وقطر 2022 ، والإستماع للعديد من رؤساء الاتحادات والدول واللجان، خرجت اللجنة بتقريرها، وأصدرت لجنة الأخلاقيات حكمها، ونجت قطر من حبل مشنقىة أراد العالم الغربى أن يكون البوابة الأنسب لإستعادة تنظيم البطولة من الدوحة بعد سنوات من العمل الدؤوب والتضحية، ولم يفلح تحالف الأشرار فى قتل حلم النخبة القطرية فى بناء مستقبل واعد لدولة تحركت من وسط الرمال لبناء مجد كروى عابر لكل القارات.
وحينما نزع الشيطان بين الأشقاء بعد الحصار الظالم، ونحركت الآلة الإعلامية والسياسية والأمنية لضرب مونديال قطر فى الصميم، كانت عناية الله إلى جانب القطريين من جديد، وقد رفض البعض الدخول فى أي مغامرة أو مؤامرة لقتل حلم القطريين ، وتم رفض بيان الدول الستة بكل شجاعة، وهو آخر فرصة كانت أمام الدول العظمى لنقاش الملف القطرى من جديد.
تولت اللجنة العليا للإرث والمشاريع ملف التنفيذ، وأحسنت العمل، عبر إطلاق المشاريع اللازمة لإستضافة الكأس، والوفاء بما ألتزم به رئيس الوفد القطرى فى ملفه أمام كونجرس الفيفا قبل 12 سنة من الآن.
يدرك صناع القرار بقطر بأن تنظيم البطولة سيغير رؤية العالم للمنطقة، ولقطر بشكل خاص، وأن الإستثمار الذى تجاوز 210 مليارات دولار، هو مكسب للأجيال اللاحقة، وأن التخطيط كان بحجم الحاجة، والرؤية الناظمة لتسيير المنلف، كانت رؤية عقلانية تجمع بين حاجة الحاضر ومستقبل الدولة وخططها التنموية الأخرى، سواء تعلق الأمر بالإسكان أو التعليم أو الصحة.
زرت قطر عشية فوزها بشرف تنظيم المونديال، وكانت فرحة النخب القطرية والجمهور لاتقارن بأي حدث آخر، وزرتها قبل ثلاث سنوات، وكانت فرصة للإطلاع عن قرب على حجم الأشغال المقام بها، والتحضير الجيد للعرس الكروى، والإٍستماع بشكل مباشر من النخبة القطرية الممسكة بالملف عن كل الخطط المطروحة للتعامل مع حدث بهذا الحجم، والإطلاع ميدانيا على المنجز من البنية التحتية، والتحضير المقام به للمنتخب الأول، والتحديات القائمة، والإستفادة المحتملة من البطولة داخليا وخارجيا وآلية العمل داخل الاتحاد القطرى لكرة القدم، وكانت أيامنا مع لجتة المشاريع والإرث الإنسانى بأبراج الدوحة وملاعبها ومراكز التكوين والتخطيط، والإجتماع مع المكتب التنفيذي للإتحاد القطرى من أجمل الأيام بقطر.
نخبة شبابية من أبناء المترفيين والأمراء، جمعوا بين حسن التكوين والأخلاق والجدية والصرامة، ووضوح الأفكار زالفاعلية على الميدان، والإستفادة من كل العقول العالمية دون عقد أو عجرفة، والتعامل مع الحدث وكأنه حلم حياة لكل واحد دون غيره، وكل عضو فى الفريق يحاول ترك بصمته الخاصة على التحضير المقام به، ضمن فريق مسؤول ومتناسق، ويعرف أهدافه بالضبط.
واليوم وأنا أتابع الجهود القطرية وقد أوشكت الكأس على الإنطلاقة، وأكتملت كل التجهيزات الفنية واللوجستية والأمنية والإعلامية، أشعر بفخر كبير، لأن دولة عربية بامكانها أن تتحدى الكبار فى عالم ظل خارج أولويات النخب الفاسدة بالعالم العربى، وأن تبصم بالعشرة على جاهزيتها رغم المخاطر والصعاب، وأن تقول للعالم كله، بأنها قادرة بتوفيق الله وفضله على تحويل الأقوال إلى أفعال، والخطط على الأوراق إلى منجز على الأرض، ينفع الوافد والمقيم، ويسر الصديق، ويبهر المتفرج، ويرغم المكابر على القول دون تردد "شكرا لقطر".
(*) مدير موقع زهرة شنقيط
القسم: