ملأ السيل بطحاء شنقيط، فغمَرَ قلوب سكان المدينة التاريخية بالفرح، بعد عقود طويلة من الجفاف، كادت تفتكُ بالمدينة الأشهر في البلد، وتحولها إلى مدينة أشباح، بعد موت النخيل وتلاشي الواحات، وهجرة الناسِ بحثًا عن الحياة في المدن الكبيرة.
أمطار هذا العام أعادت الحياة إلى المدينة، فخرجُ السكان لاستقبال السيل القادم من أعالي “ظهر آدرار”، يفترشون الأرض بالقربِ من ماء انتظروه لعقود طويلة، ويستعيدون قصصًا وخرافاتٍ عن “السيل” كادت هي الأخرى أن تختفي.
تفصل “البطحة” المدينة القديمة (الزيرة) -كما يطلق عليها السكان-، عن المدينة الجديدة (الصنگه)، حتى بدا السيلُ المنهمر كالنهر الجاري، يفصلُ بين حقبتين زمنيتين، ويرسم صورة قديمة لمنطقة يُقال إنها كانت في السابق مليئة بالأنهار، قبل أن يضربها الجفاف والتصحر.
السكان يهابون هذا “النهر المؤقت”، ولكنهم يحبونه أيضًا، يقتربون منه دون أن يخاطروا بملامسته؛ يقولون إنه يبتلعُ من يخاطر بدخوله.
الطريق الرابط بين أطار وشنقيط
عيدُ السيلْ
إسلمو ولد احمدان؛ أحد أعيان المدينة ومختص في تاريخ المدينة والمنطقة، يقول إن مرور السيل من “بطحة شنقيط” لطالما كان حدثًا تاريخيًا، بل إنه يذهب إلى أنه “يوم عيد” عند سكان المدينة.
يضيف ولد احمدان في حديث مع “صحراء ميديا”، أن الأمطار بالغة الأهمية عند السكان لعدة عوامل “أولها قضية الواحات؛ فمخزون المياه في الآبار بدأ ينضب، ودفع بعض ملاك المزارع إلى تركها والعزوف عن العمل فيها”.
ويشير إلى أن “للنخيل دور كبير في استقرار السكان، وبالتالي ستحيي فيهم هذه الأمطار الأخيرة آمالا كبيرة ودفعا نحو الاستمرار في زراعة النخيل والحبوب”.
وتابع أن بعض سكان المدينة لديهم قطعان إبل وغنم، كان الجفاف يدفعهم إلى الرعي في تگانت، “ستوفر عليهم الأمطار مشقة السفر والبقاء في البوادي المحيطة بشنقيط”.
واعتبر أن ما تجمع من المياه في الآبار “سيكفي لسنة ونصف أو سنتين، وإذا تساقطت أمطار أخرى سيزيد منسوب المياه في الآبار لفترة أطول”.
أمَّا عبد الرحمن ولد احودي؛ وهو مزارع في شنقيط ويملك واحات نخيل، قال لـ “صحراء ميديا”، إن سكان شنقيط “استقبلوا الأمطار بكثير من الفرح والأمل”.
وأضاف أن الأمطار تحفز على “زراعة الحبوب والخضروات”، كما أن لها فوائد كثير على النخيل، مشيرًا إلى أنها تحملُ أيضًا بعض الأضرار على النخيل، إذا كان مازال يحمل التمور، إذ تُفسد المنتوج قبل نضجه.
لكنه يستدرك أن العام الذي تهطلُ فيه أمطار غزيرة “يكون مبشرا على مستوى ولادة النخيل، ونتاجها في الفترة المقبلة، ولذا فهي مهمة جدا للنخيل”.