قررت هيئة محلفين كبرى في نيويورك الخميس توجيه تهم جنائية للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في قضية دفع أموال لممثلة إباحية. وهي حلقة أولى في مسلسل قضائي يبدو طويلا، اهتزت له وسائل الإعلام عبر العالم بما فيها العربية. فما الذي ينتظر سيد البيت الأبيض السابق بعد هذه الخطوة القضائية تجاهه؟ وهل ستؤثر هذه القضية على مستقبله السياسي علما أنه يطمح في الوصول إلى الرئاسة مرة أخرى؟
إعلان
الخبر كان مدويا عبر العالم، حيث تسابقت وسائل الإعلام الدولية ومن بينها العربية في وقت متأخر من ليلة الخميس إلى تغطية حدث غير مألوف، يتعلق بتوجيه تهم جنائية للرئيس السابق للولايات المتحدة دونالد ترامب المثير للجدل، في سابقة هي الأولى من نوعها بتاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.
وهذه الضربة القضائية القوية التي قد تؤثر على الطموحات الرئاسية لزعيم الجمهوريين، جاءت بعد تصويت هيئة محلفين كبرى في نيويورك على توجيه الاتهام إلى ترامب بشأن قضية دفعه 130 ألف دولار في عام 2016 لممثلة أفلام إباحية تدعى ستورمي دانيالز، لشراء صمتها. ويرتقب أن يتم الكشف الثلاثاء عن مضامين لائحة الاتهام.
وتتكون هيئة المحلفين الكبرى من مواطنين يتم اختيارهم بالقرعة، تناط لهم مسؤولية التحقيق بسرية تامة، لتحديد ما إذا كانت هناك أدلة كافية لتوجيه اتهامات رسمية ضد مشتبه به. وكانت الهيئة دعت في منتصف مارس/ آذار ترامب للإدلاء بإفادته بعد سماعها إفادات عدد من الشهود، إلا أن الرئيس السابق رفض ذلك.
وبعد هذا القرار، لم يتأخر ترامب، المعروف بخرجاته الشعبوية، كثيرا في الرد. وصب جام غضبه على المدعي العام وخصومه السياسيين، معتبرا في بيان أن "هذه ملاحقة سياسية وتدخل في الانتخابات على أعلى مستوى في التاريخ"، قبل أن يضيف: "أعتقد أن هذه الملاحقة سوف ترتد عكسيا على جو بايدن".
رواية ستورمي دانيالز
حسب روايتها، تعرفت الممثلة الإباحية ستورمي دانيالز على ترامب صيف عام 2006 بمنتجع فاخر في ولاية نيفادا خلال بطولة للغولف على ضفة بحيرة محاطة بأشجار الصنوبر.
ووفق رواية هذه الممثلة، فإنها لفتت انتباه ترامب خلال هذه المناسبة، ودعاها لتناول العشاء في جناحه حيث استقبلها مرتديا بيجاما وجلسا على أريكته. وأكدت أنهما أقاما بعد ذلك علاقة جنسية، وهو ما ظل ينفيه سيد البيت الأبيض السابق.
لكن سبب متاعبه القضائية اليوم، ليس هذه العلاقة الجنسية خارج إطار الزواج، بل دفعه لستورمي دانيالز واسمها الحقيقي ستيفاني كليفورد مبلغ 130 ألف دولار قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2016 لشراء صمتها. وهو ما يعتبر تأثيرًا على الناخب مشوبًا بالتزوير، وهو ما يخالف قوانين الانتخابات الأمريكية.
وهذه المتاعب لن تنتهي هنا. توجيه التهمة هذا يمكن أن يمهد الطريق أمام سلسلة ملاحقات قضائية أخرى: فترامب مستهدف أيضا بتحقيق حول إدارة محفوظات البيت الأبيض وممارسة ضغوط انتخابية في ولاية جورجيا الأمريكية.
ما الذي ينتظر ترامب قضائيا؟
موعد المحاكمة:
اتصل ممثلو الادعاء بمحامي دونالد ترامب مساء الخميس لتحديد موعد مثوله أمام المحكمة في نيويورك ليتم إخطاره رسميا بقرار الاتهام. وإذا رفض يمكن توقيفه وسيكون من الضروري بعد ذلك "تسليمه" من فلوريدا، حيث يعيش، إلى نيويورك إذ أن لكل ولاية نظامها القضائي الخاص بها.
وذكرت وسائل إعلام أمريكية أن ترامب سيوافق على المثول بنفسه أمام محكمة نيويورك في بداية الأسبوع المقبل على الأرجح.
"ومن المنتظر أن يتم أخذ بصماته والتقاط صور له باعتبار أنه متهم في قضايا جنائية. ولربما يكون مكبل اليدين عندما يأتي للمثول أمام القاضي. وفي حال رفضه المثول بصورة تلقائية أمام المحكمة ربما يلقى القبض عليه"، كما يقول مراسل فرانس24 من واشنطن علي بردى.
الدفاع ومحاولة إبطال الاتهام:
قد يخوض محامو دونالد ترامب معركة قضائية لمحاولة إبطال اتهامه، ربما من خلال القول بأن التحقيق يشوبه عيب إجرائي أو شكلي. وإذا فشلوا في تحقيق ذلك فإن المسار الطبيعي للعدالة ينص على ثلاثة سيناريوهات بعد لائحة الاتهام:
- 1 يمكن إسقاط التهم. هذا شائع نسبيا وقد يكون مرتبطا خصوصا بوصول مدع عام جديد، ولكنه غير مرجح في حالة دونالد ترامب.
- 2 يمكن للمتهم عقد اتفاق مع النيابة العامة والموافقة على الاعتراف بالذنب لتجنب المحاكمة والحصول على عقوبة أخف. لكن ذلك غير مرجح لأن دونالد ترامب يؤكد أنه لم يرتكب أي خطأ.
- 3 ينظم القضاء محاكمة لكن يجب أولا احترام العديد من الإجراءات مع جلسات استماع عديدة. وقد يستخدم محامو ترامب، في هذه الحالة أيضا، كل الوسائل الممكنة لتأخير موعدها.
ماذا ينتظره سياسيا؟
هذا الاتهام وحتى الإدانة لا تمنعه من ممارسة نشاطه السياسي. فالقوانين الانتخابية الأمريكية لا تمنع أي شخص متهم أو مدان في قضايا جنائية من الترشح لأي منصب وأن يتم انتخابه. وينص الدستور على استثناء واحد فقط لممارسة وظيفة رسمية: المشاركة في "عصيان" أو "تمرد" ضد الولايات المتحدة.
لكن توجيه التهم له رسميا يمكن أن يؤثر على طموحاته السياسية في الوصول مجددا إلى البيت الأبيض. فظهوره بصورة المتهم "قد يكون له تأثير قاتل سياسيا" عليه حسب محرر الشؤون الدولية في فرانس24 خالد الغرابلي، "لأنها ستبقى في أذهان الناس".
"من سيقبل التصويت له من الجمهوريين المعتدلين إن ثبت فعلا أن ترامب ارتكب جناية يعاقب عليها القانون؟ يصعب أن يتخيل أنهم سيقبلون أن يكون شخص مثله رئيسا للولايات المتحدة، يفترض أنه يمثل القيم الأمريكية بينما خالف القانون بهذا الشكل"، حسب توضيحات الغرابلي.
"لكن أحد أبرز مواهب ترامب هي الاستفادة من الهجمات التي يتعرض لها"، وفق تصريح لجوليان زيليزر الأستاذ في جامعة برنستون الأمريكية لوكالة الأنباء الفرنسية. ويمكن بذلك أن يستفيد من الوضع خاصة وأن حملته الانتخابية لا تستقطب اهتماما كبيرا، ولاتزال تفتقد للزخم المطلوب في الوقت الحالي.
ولتأكيد هذه الإمكانية، يعود مراقبون إلى الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2016 التي فاز بها في سيناريو غير مسبوق، أدهش الكثيرين عبر العالم. وبناء على ذلك، يعتقدون أنه سيظل يحافظ على حظوظه في السباق الرئاسي مهما كانت نتيجة هذه القضية، خاصة وأنه يقدم نفسه كسياسي فريد، قريب من الأمريكيين، ويحارب "الفساد الهائل" في واشنطن.
وبرأي الغرابلي إنه: "إن نجح في إقناع الناس أنه بريء وأن ما يقع له مؤامرة لمنعه من الترشح، عندها سيكون الوضع مختلفا تماما"، فهو السياسي "الساحر" الذي بإمكانه أن يقلب الموازين، ويميل الكفة لصالحه حتى في أدق المراحل. فهو يواجه قضية استثنائية وكسبها سيزيد من شعبيته لامحالة، والتي تشكل، كما يقول الغرابلي: "اختبارا لاستقلالية القضاء الأمريكي". فيما صرح محامي نجمة الأفلام الإباحية ستورمي دانيالز الخميس أن توجيه الاتهام لرئيس سابق يظهر أن "لا أحد فوق القانون".