أكاد أقبل رأس غزواني:
طالعني خبران في الإعلام الرسمي الموريتاني منذ أمس، يجبرانني على تقديم شيء من العرفان بل شيء من الإجلال لهما وللعقول التي وقفت وتقف خلفهما. وأعتبر أنهما أكبر حدث تنموي في البلد خلال عهدة الرئيس ولد الغزواني التي أوشكت على الانتصاف دون ملامسة الجروح.
الأول هو خبر توقيع مذكرة التفاهم مع شريك أسترالي موثوق حول إنتاج الهيدروجين الأخضر بطاقة 30000 ميغاوات على مساحة طولها 85 كلم وعرضها 100 كلم وبغلاف مالي تم تقديره ب 40 مليار دولار. مع مايعني ذلك من خلق عشرات الآلاف من الوظائف الدائمة ومئات الآلاف من الوظائف غير الدائمة.
ورغم أن هذا المشروع الهائل سيأخذ وقتا قبل تنفيذه خصوصا أن التقنيات المتبعة في استخلاص الهيدروجين الأخضر ستصبح رخيصة خلال العشرية القادمة مما يعني أن تأجيل دخوله حيز التنفيذ أمر مطروح ومهيأ لأن يكون بعد اكتمال مأموريتي الرئيس غزواني -إن هو تقدم للثانية - لكن الجانب الاستشرافي في المشروع جعل من غزواني رجل دولة يفكر في عمارة الأرض وفيما بعد الآجال الانتخابية.
هذا المشروع الذي سيتبع صيغة الشراكة العمومية الخصوصية في أحد سيناريوهاتها الشائعة (BOT أو PPA) لن يكون دينا على البلد وسيخفض تكلفة الطاقة النظيفة ويعممها على ربوعه، مما يعد بالتصنيع الرخيص وقلب وجه الحياة الاقتصادية رأسا على عقب.
الطاقة النظيفة مدعومة من كل بيوت مال الدنيا منذ مؤتمر ريو دي جينيرو وبعده اتفاقية كوبنهاغ، وسيكون جمع المال الضروري له سهلا ومنسابا، مما يعني أن التعجيل بوضع حجر الأساس وتقصير آجال الدراسات وتقوية موقع البلد التفاوضي مع الشريك الأسترالي دون إفراط ولا تفريط متاحا.
كما أن مشروع "أمان" وتصدير الهيدروجين الأخضر الذي يتلخص في استخدام شمسنا الدافئة ورياحنا الجوادة ومائنا المدرار؛ سيحول النقمة إلى نعمة وسيجعلنا نلج عصر الطاقة النظيفة من بابه الواسع، مما يعني ذلك من جلب التقانة وتكوين الأطر.
تلا ذلك التوقيع ولوج مائة ألف إنسان للتأمين الصحي الشامل. وهي خطوة جبارة و فريدة في محيطنا الإقليمي وتحمل معاني كثيرة أهمها الالتفات إلى العاطلين والفقراء والمهمشين الذين كانوا إلى عهد قريب يلعنون اليوم الذي أصيب فيه أحدهم بنزلة برد أو جاء المخاض لإحدى نسائهم، بسبب العوز.
مشروع النأمين الصحي الشامل موجه لمحفظة النقود لخمس المجتمع الموريتاني ويشكل لحظة مضيئة في ميثاق المواطنة الذي يعطي بموجبه الوطن للمواطن دون مقابل ولا من ولا أذى، وسيتأثر به كل موريتاني من قريب أو من بعيد، وبشكل مباشر وغير مباشر.
إن تم صرف عائداته لدى الصندوق الوطني للتأمين الصحي في ثلاثية : بناء المستشفيات والمستوصفات
وجلب الأدوية والمستلزمات الطبية
وتكوين وجلب الأطباء وأطر الصحة القاعدية
وتلهى الصندوق بذلك عن الاستثمارات غير المستنيرة؛ لتكاملت المعجزة الموريتانية في التأمين ومجانية الدواء.
نحن بلد يحتاج لأفكار تطبق ولأذكياء يستمع لهم، ولسنا بدعا من الأمم؛ ونملك من الكفاءات والعقول والوطنية وحب الربوع ما يكفي لاجتراح دستور للبكاء على الأطلال.
لم ألتق يوما بالرئيس غزواني ولم أسع فيه، بل كنت أعمل لإنجاح غيره في الرئاسة، ولطالما كرهت الكتابة والحديث عن إنجازات السلطة؛ لكنها أخلاق الموريتانيين التي أرضعونيها تدفعني لمعاقرة العرفان حين يجترح مستحقوه موجباته.
مما يروى عن الشيخ سيديا الكبير في تربيته لتلاميذه أنه كان يقول [تجب تهنئة وتشجيع كل من قام بفعل الخير حتى يزيد منه، وزجر وشجب كل من قام بعكس ذلك حتى لايكرره.]
الآن وقد تأخر قرار شطب المديونية أو إعادة جدولتها وازدادت مهلة ضخ أول غالون من الغاز المسال من حقل السلحفاة، فإن الموريتانيين الذين بذلوا الغالي والنفيس منذ ماقبل2011 (تاريخ آخر عملية إرهابية في البلد) من أجل أن يبتعد عنهم جنون البارود الذي يعصف بدول من حولهم؛ وإنني مثلهم كمواطن بسيط أتطلع إلى الإبداع في جلب الاستثمارات وتفعيل شراكات عمومية خصوصية في الطرق والسكك الحديدية والصرف الصحي والزراعة، تتنازل الدولة فيها عن أجزاء من سلطتها لذوي الاستثمار مقابل أشياء كثيرة تنفع الناس وتمكث في الأرض.
وتعوض ثنائية دفع الدين والامتناع عن أخذه التي تقتل التنمية وتصيب بيت المال بالنضوب. ساعتها سأقبل رأس غزواني أمام الملإ بكل عرفان.