من شبه المؤكد أن يقوم الرئيس خلال أيام قليلة بتعديل واسع داخل حكومته في وجه تساؤل صريح عن فاعلية ذلك في ضوء الإبقاء على الوزير الأول الشخص الأهم والأوسع صلاحيات بعد الرئيس والذي تنقصه الصلابة والرؤية في تحريك جهاز الدولة المثقل بالممارسات السابقة، وأمام مواءمة العمل الحكومي مع إرادة الإصلاح والتغيير التي يتبناها الرئيس غزواني بقوة والتي تمثل الفكرة المحركة لبرنامجه الانتخابى “تعهداتي ” والذي يتحرى الشعب ثماره بتلهف .
صحيح أنه لايمكن اغفال رأي المدافعين عن الوزير الأول بأنه ينسق عمل حكومة ثقيلةً تضم لجانبه ثلاث وزراء أوّل شبه مستقلين عنه لا ينصاعون كما ينبغي لوصايته ،كما لا يمكن أيضا إغفال ما يحصل عليه من تفويض رئاسي بصلاحيات صلبة ،استغلها مثلا في تعيين وزير أمين عام الحكومة وتغيير جميع رؤساء الصفقات وغيرها .
سيكون هذا التعديل هو الحركة الرابعة داخل الجهاز التنفيذي منذ تولي غزواني للحكم (اثنتان استجابة لوضعية قضائية ورسالة لدعم أهمية واستقلالية القضاء ، ومرتان بسبب فشل الاداء الحكومي وبحثا عن الفاعلية ودعما لقدرات الجهاز التنفيذي .
لم تكن سمة الفشل الحكومي هذه مريحة ولا هي بالطبع طموح غزواني المتحمس للرفع من المستوى المعيشي للمواطنين والذي حاول عند قدومه تفعيل جهازين بأقصى قوتهما لتغيير أوضاع المواطنين وبناء دولة المؤسسات .
الاول تعيين حكومة يراد لها أن تكون وظيفية مدّعمة بصلاحيات واسعة (التصور ،التنفيذ ،الرقابة) لكي ترافقه في طموحه للإصلاحات الهيكلية المرتبطة بالإدارة والاقتصاد وفصل السلطات ،،،، وقد اختار أطرا بكل المواصفات لذلك ، لكنهم فشلوا للأسف رغم ما يرتبه أسلوب وطريقة العمل مع غزواني من مسؤولية أخلاقية .
والثاني جهاز خفيف من حيث الإجراءات الإدارية ورحيم من حيث الأهداف مملوء بالإمكانيات يتمتع باستقلالية ومرونة ، وهو تآزر ، يسعى للتأسيس لفكرة الشراكة في صنع المستقبل الجماعي للفئات الهشة أو التي تعاني من غياب طويل في النمو الاقتصادى ويتولى العمليات الاجتماعية والاقتصادية ذات الأبعاد الاجتماعية بخاصية التدخل السريع والشامل ، ودمجها في الحياة النشطة بهدف إزاحة العراقيل في وجه ذلك ، وتحسين أدائها الاقتصادي ،وقد تأكدت أهمية هذا الجهاز مع جائحة كورونا حيث أبقى على الأسر الأشد فقرا أحياء .
التعديل المرتقب قد يطال أكثر من نصف الحكومة، ومن المحتمل أن يعالج اختلالين : سياسي ووظيفي فمن الناحية السياسية يحتاج الرئيس لنخبة تسير انعطافة جديدة في الجدية وتباشر الرهانات القائمة وتعيد الأمل للمواطنين وتضفي المصداقية على العمل الحكومي ، وتمد السياسيين بحصيلة من الإنجازات والعمل البناء تخوض به غمار انتخابات برلمانية قادمة خلال عشرين شهرا تقريبا ،ولهذا يجب أن يحمل التعديل في طياته رسائل عديدة وعميقة بالتوازنات السياسية غير المخلة بالكفاءة وبالمصداقية الشخصية ،وبالحفاظ على التوجه العام المرتبط بالإصلاح وبالاهتمام بالفئات النشطة داخل المجتمع ،وغير ذلك من المعايير التي تجعل الرأي لعام يتبنى صورة جديدة أكثر وضوحا عن حكومة مفيدة وتحمل الأمل .
أما الاختلال الثاني فهو المتعلق بالتفاهم حول بناء المستقبل والإخلاص لنفس المنظور ،والخروج من مرض ضعف هذه الحكومة وسابقتها الذي من مسبباته الوزن الشخصي لبعض الوزراء الذي يجعلهم لا يخضعون لوصاية الوزير الأول بسبب علاقاتهم الشخصية بالرئيس ،بالإضافة لانعدام الكفاءات وضعف الفاعلية، بكلمة واحدة حكومة غير متجانسة ،وبالتالي من المهم أن تكون هناك حكومة متجانسة خفيفة تخدم نفس هدف البناء ومرتبطة بنفس الأهداف النهائية لبرنامج الرئيس وتتبع لنفس التعليمات وقادرة على خلق دينامكية عملية في جهاز الدولة ،حكومة تعتبر من مسؤوليتها مواجهة موجة الغلاء والبطالة وحل مشكلة التعليم والزراعة والتجارة و تملك طموح النجاح ، وكسب الرهانات الوطنية أي حكومة سمتها الجدية والمثابرة والخبرةً وفهم مضامين المرحلة .
إن البلد اليوم يواجه ثلاث رهانات قوية:رهان بناء دولة المؤسسات وتوكيد مسار الإصلاح وفصل السلطات وهذا من مسؤولية الإرادة السياسية بالإصلاح الممثلة في رئيس الجمهورية .
رهان تصفية تركة الماضي الطاعن في الفساد واسترجاع أموال الشعب ومحاكمة المتورطين في الفساد وتبييض الأموال بزعامة محمد ولد عبد العزيز وهو رهان قضائي .
أما الرهان الثالث فهو التصدي لكورونا وموجة الأسعار والحفاظ على الأمن الغذائي وتوفير الأمن وتقوية برامج محاربة الفقر والبطالة ، ودراسة المشاكل العالقة بهدف الحصول على حلول لها . إن الوقت قد فات على تشكيل حكومة تحارب ،حكومة لا تصحح اختلالات وعجز وفشل الحكومات السابقة، ولا تتبنى حلولا سريعة لمعضلات الوضع الحالي ،فلم يعد للرئيس الوقت لاختبار أشخاص آخرين في وظائف حكومية لمدة أخرى وهو الذي يواجه رهان المهلات الزمنية الضيقة ،ويواجه مشاكل تتعمق مع غياب الحلول والتدخل العقلاني السريع ،وهكذا من المفترض أن تكون هذه الحكومة هي التي ستخوض أو تحضر لانتخابات 2024 ،وعليه يجب أن يخضع اختيارها لوضع مربعات الأهداف والأولويات قبل اختيار الأشخاص ،لقد انتهت فرصة اختبار المحاصصة والعوامل الشخصية والاستجابة للتأثير إلى الكشف عن ساعد الجد والصرامة وخدمة الأهداف ، بالانتقال من عهد المذلة والصغار والمظلومية إلى عهد بهيّ وجميل ، عهد حكومة تعكس المصداقية والارتباط بالأهداف وتجعل الحصيلة نصب عينيها .
الشعب الموريتاني مؤمن بنية ولد الغزواني الحسنة وإرادته للبناء ،وبأنه على درجة كبيرة من الكياسة والفطنة تكسبه قوة وشجاعة في اتخاذ القرارات الكبرى لكنه بحاجة لفريق قوي ووطني ويقاسمه نفس التوجه.