المركز الموريتاني لقياس الرأي العام (نواكشوط) – يتوقع أن يصدر تقرير المحقق الأميركي روبرت مولر خلال الربع الأول من 2019، مما قد يضاعف من أزمة الديمقراطية الأميركية خاصة فيما يتعلق بمنصب الرئيس ومستقبله السياسي ومستقبل الحزب الجمهوري أيضا.
ويأتي هذا مع صدور تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" يشير إلى أن مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) يحقق بشأن ما إذا كان الرئيس دونالد ترامب يعمل لحساب روسيا عن قصد، أو أنه وقع عن غير قصد تحت تأثير موسكو.
وأوضحت الصحيفة أن المحققين في مجال مكافحة التجسس أخذوا على عاتقهم التحقيق فيما إذا كانت أفعال الرئيس تشكل تهديدا محتملا للأمن القومي.
الجدير بالذكر أن هذه التحقيقات قد بدأت بعد إقالة جيمس كومي في مايو/أيار 2017، ومن ثم جاء تعيين المحقق مولر من قبل وزارة العدل لتولي التحقيقات بشأن التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية 2016، واحتمال وجود تواطؤ بين حملة ترامب وروسيا.
السؤال الأهم
السؤال الرئيسي في تحقيقات مولر حول دور وتأثير روسيا في انتخابات الرئاسة الأميركية، يتعلق بمعرفة المرشح دونالد ترامب بشأن تواصل حملته مع الروس لدعم حظوظه الانتخابية أم لا.
وهذا السؤال لو كانت إجابته "نعم"، فسيتم توجيه اتهامات خطيرة للرئيس بالتواطؤ مع قوة معادية للتأثير في نتائج الانتخابات، مما يستدعي بالتالي تقديم استقالته بدلا من تعرضه للمحاكمة، على غرار ما جرى مع الرئيس السابقريتشارد نيكسون في منتصف سبعينيات القرن الماضي.
لا أحد يعرف ما بحوزة مولر حتى الآن، ويزيد ذلك من التكهنات حول ما وصلت إليه التحقيقات الجارية منذ أكثر من عام ونصف، إلا أن من المتوقع أن يحمل مولر الكثير من الدلائل على انتهاكات قانونية لفريق ترامب الانتخابي وربما مخالفات لترامب نفسه.
يقول الخبير القانوني في معهد بروكينغز بواشنطن بنجامين ويتيس إن التحقيقات تركز على جريمتين هما: التواطؤ وعرقلة العدالة، ويعتقد أن هناك ارتباطا كبيرا بين الجريمتين وربما تؤدي أحدهما للأخرى بطريقة أو أخرى.
وترتبط جريمة التواطؤ بأي تواطؤ بين حملة ترامب وروسيا، أما جريمة عرقلة العدالة فترتبط بإقالة ترامب مدير مكتب التحقيقات الفدرالي جيمس كومي بعد رفضه عدة مطالب لترامب، منها إعلان ولائه التام له.
ويتوقع خبراء قانونيون إدانة ترامب بإعاقة العدالة على خلفية موقفه من التحقيقات وإقالة مدير "إف بي آي" السابق، وقد تمّ بالفعل توجيه اتهامات لبعض كبار مساعدي ترامب، وأقرّ آخرون بتهم فدرالية بعضها يتعلق بالحملة الانتخابية وبعضها بمخالفات شخصية سابقة تتعلق بتهرب ضريبي أو جرائم احتيال مالي.
وجاء ما كُشف عنه منذ أسبوع ويتعلق بتسريب مدير حملة ترامب الانتخابية بول مانفورت قواعد بيانات تتعلق ببيانات التصويت واستطلاعات رأي داخلية لشريكه الروسي المقرب من الاستخبارات الروسية، ليشير لعلاقات بين حملة ترامب وروسيا.
الأول: صدور التقرير بالشكل المتوقعسيناريوهات
لم يسرّب المحقق مولر ولا أيٌّ من كبار مساعديه -الذين يشكلون فريقا قانونيا قويا يتضمن أكثر من أربعين محاميا ومحققا- أي إشارات عما يحتويه تقريرهم النهائي، إلا أن التقرير لن يخرج محتواه عن ثلاثة بدائل:
هذا هو السيناريو الأكثر ترجيحا، وفيه يقوم فريق المحقق مولر بإرسال التقرير لوزارة العدل، وينتهي عمل مولر وفريقه عند هذه النقطة. وسيكون التقرير سريا لا يتم نشره في وسائل الإعلام، ويجب أن تتضمن نهايته إيضاحات حول خلاصة التحقيقات، وإذا ما كان هناك توصيات من فريق التحقيق.
ونلاحظ هنا نقطتين مهمتين: أولاهما أن التقرير يُقدَم لوزارة العدل وليس للكونغرس، وثانيتهما أن التقرير سري. ويعني ذلك أن نائب وزير العدل الحالي رود روزينشتين سيكون له الحق في استخدام التقرير بالطريقة التي يريدها (لا يوجد وزير عدل منذ استقالة جيف سيشين قبل أسابيع، وهو الذي نأى بنفسه عن التحقيقات بسبب تواصل لم يعلنه بالسفير الروسي بواشنطن).
وقد يقوم روزينشتين بتقديم التقرير للكونغرس كما يُعتقد على نطاق واسع، وقد لا يجد أي مبرر لفعل ذلك. لكن من الأهمية هنا أن نذكر أن روزينشتين ينوي الاستقالة عقب تعيين وزير جديد للعدل، وتشير التقديرات إلى أن وزارة العدل ستقدم بدورها التقرير للكونغرس، ويتوقع الكثير من خبراء واشنطن عدم بقاء التقرير سريا بصورة أو أخرى.
- الثاني: إعلان مولر قائمة اتهامات واسعة
أي أن تكون خطوة فريق التحقيق القادمة هي على غرار ما قام به حتى الآن من توجيه تهم فدرالية بمخالفات قانونية واضحة، إلا أن الاتهامات في هذه الحالة ستكون من العيار الثقل وتطال مسؤولين كبارا، وربما يصاحب الإعلان عن هذه الاتهامات صدور التقرير الموسع لنتائج التحقيقات أو ألا يصدر التقرير.
ويتوقع أن تشمل قائمة الاتهامات جرائم بالتآمر والتواطؤ مع روسيا للإضرار بالولايات المتحدة، وقد تطول هذه الاتهامات ابن ترامب، ومدير حملته الانتخابية الاسبق بول مانفروت، وربما تصل إلى الرئيس ترامب شخصيا.
ومع تزايد تعاون أحد أهم مساعدي ترامب المقربين وهو رجل الأعمال ريك جيتس، ومحامي ترامب لعشرة سنوات مايكل كوهين -فضلا عن التضييق القانوني على مانفورت- تزداد احتمالات توجيه اتهامات من العيار الثقيل لترامب شخصيا، إلا أن بعض الخبراء القانونين يؤكدون عدم دستورية توجيه اتهامات جنائية لرئيس أثناء فترة حكمه.
- الثالث: نهاية هادئة للتحقيقات
يروّج أنصار الرئيس ترامب بشدة لهذا السيناريو الذي ينتهي إلى أن التحقيقات لم تتوصل لقرائن على وجود تواطؤ بين حملة ترامب الانتخابية وروسيا.
وعلى الرغم من إدانة 32 شخصا حتى الآن بجرائم متنوعة على خلفية التحقيقات الجارية، فإنه لم يتم إدانة أي من مساعدي ترامب بعد بالتواطؤ مع روسيا، وإن كانت تقترب من ذلك حالة بول مانفورت رئيس حملة ترامب الانتخابية السابق.
تأثيرات مستقبلية
ومن المتوقع أن يلقي صدور تقرير مولر بتداعيات واسعة على عدة قضايا شديدة الأهمية، وسيختلف حجم وطبيعة التأثير على طبيعة ما يحتويه التقرير، لكن بصورة عامة سيكون هناك تأثير على عدة قضايا منها:
- مستقبل العلاقات بين واشنطن وموسكو
في حال توصلت التحقيقات لخلاصة وجود تواطؤ بين روسيا وحملة ترامب، فسيعقد ذلك بصورة كبيرة علاقة الدولتين الثنائية، والتي بدورها تنعكس على قضايا مهمة حول العالم خاصة في قضايا الأمن والسلم الدوليين.
قضايا مثل الأزمة السورية ومستقبل أوكرانيا وقضايا سباق التسلح التقليدي والنووي ومستقبل حلف الناتو والأمن الأوروبي والتعامل مع كوريا الشمالية، كلها ستدفع ثمن هذا التواطؤ.
- مستقبل الحزب الجمهوري
إذا توصلت التحقيقات لخلاصة سلبية تتعلق بالرئيس ترامب، فسيكون لذلك تبعات سياسية داخلية كبيرة، وقد يضطر مجلس الشيوخ لعزل ترامب والعمل مع الحزب الديمقراطي على إقالته.
وإذا تأكد الجمهوريون من وجود دلائل تؤكد طلب ترامب مساعدة روسية تضر بمنافسته في الانتخابات هيلاري كلينتون، وهو ما سيدعم من وجود تواطؤ من جانب ترامب، فسيصعب الدفاع عنه من جانب أعضاء الكونغرس الجمهوريين.
وسيخضع الحزب لمراجعات داخلية قد تعصف به، أو على أقل تقدير بأكثر التيارات اليمينية داخله، والتي تغلغل نفوذها منذ سيطرة مجموعة "حزب الشاي" على الحزب قبل عقد من الزمان.
- انتخابات الرئاسة 2020
تمثل أي إدانة للرئيس ترامب دفعة قوية لحظوظ الديمقراطيين بالسيطرة على البيت الأبيض في الانتخابات القادمة، إلا أنه في حالة تبرئة ساحة ترامب وخوضه الانتخابات القادمة، فمن المؤكد قيام قواعد الحزب الجمهوري باستغلال هذا الموقف والظهور بصورة الضحية، وهو ما سيعضد من حظوظه للبقاء في البيت الأبيض حتى 2024.
المصدر : الجزيرة