تقدمت اللجنة الوطنية لإصلاح الصحافة بـ64 مقترحا لحل الأزمة التي يتخبط فيها القطاع الإعلامي في البلاد، وغطت هذه المقترحات محاور متعددة، أولها اعتماد سياسة وطنية للإعلام، إضافة لإعادة هيكلة جهة الإشراف على القطاع بالعودة لوزارة الاتصال، وإنشاء مجلس أعلى للصحافة.
ورأت اللجنة في تقريرها الذي استمله الرئيس محمد ولد الغزواني أن وضع الإعلام في البلاد "بالغ الخطورة، وأن تأثيرها السلبي على الدولة والمجتمع لم يعد خافيا"، مردفة أن "كل ما نعاينه اليوم من الفوضى والتسيب والفساد، عائد كليا أو جزئيا إلى فشل الإعلام".
وشخصت اللجنة واقع الإعلام اليوم بأنه "يتجاهل أحيانا الثوابت التي أسست عليها الدولة، ويشوه مقاصد الشرع.. ويبتعد عن تناول الملفات والقضايا التي ترتبط بحياة الناس.. ولا يمارس النقد البناء ويغطي على الإخفاقات، ولا يستخدم البحث والاستقصاء في قضايا الرشوة والكذب والغش والدجل والكسل، ومظاهر الفوضى في الشارع والسوق والمدرسة والمسجد والنقل".
وواصلت اللجنة في حديثها عن واقع الإعلام في موريتانيا بأنه "في واد عن الإعلام الناجح، فهو على تعدد قنواته العمومية والخصوصية، وكثرة محطاته ومراسليه في الداخل، بلا تأثير جوهري على المواطن، وبعيد عن التنوير والتحديث، وعن الإسهام في معركة نشر العلم والتنمية".
وتوزعت المقترحات على ثمانية محاور، أولها عن السياسة الوطنية للإعلام، والثاني عن الهيكلة، والثالث عن القوانين، والرابع عن المصادر البشرية والتكوين، والخامس عن الدعم والمصادر المالية، والسادس عن المضامين، والسابع عن المجال التقني، والثامن والأخير عن الإعلام الجديد.
إسترايجية وإعادة هيكلة
وتصدرت مقترحات اللجنة التوصية بـ"وضع إستراتيجية موريتانية للإعلام والاتصال تنطلق من هذا التقرير، وتستأنس بالتوصيات، وبالقوانين المتعلقة بالحقل بجمعها في وثيقة واحدة متكاملة"، كما أوصت باعتماد "هيكلة منسجمة ومتكاملة للقطاع يعهد لها باقتراح السياسات الإصلاحية، والإشراف على تنفيذها، ومراقبة البنية التحتية، ومخاطبة أهل الحقل في كل المجالات".
كما طالبت اللجنة باستحداث جوائز سنوية لأحسن مؤسسة، وأحسن عمل صحفي.
وحثت اللجنة على إعادة وزارة الاتصال لتكون المخاطِب الحكومي للصحافة، والمشرف على تنسيق خطط تنمية الحقل وإصلاحه، وعلى تنسيق أعمال الهيئات والمؤسسات المقترحة.
كما اقترحت اللجنة إنشاء مجلس وطني للإعلام، ومنحه صلاحية الإشراف على الصحافة المكتوبة والإلكترونية، والتكوين، وتحسين الخبرة، إضافة لتنظيم البطاقة الصحفية، وإنفاذ ميثاق الأخلاقيات، والتعاون مع النقابات والروابط، وحماية المهنة والحماية منها.
ويدخل ضمن اختصاص المجلس المقترح وفقا لتقرير اللجنة الذي حصلت الأخبار على نسخة منه "التعامل مع الإعلام الإلكتروني والنظر في مضامينه، والإشراف على تسيير دار الصحافة، ودار النشر، وغيرهما من المنشئات المشتركة التي تخدم الحقل".
كما يشرف المجلس الوطني للصحافة على تنظيم الولوج إلى المصادر، وتأهيل الصحافة للمشاركة في الأنشطة الصحفية، واقتراح الإصلاحات الضرورية بشكل مستمر، وتشجيع قيام مؤسسات صغيرة ومتوسطة في المجال الرقمي، ودعمها، وتشكيل سلك للمدونين الموريتانيين.
وكالة ومعهد
كما اقترحت اللجنة إنشاء وكالة وطنية للإشهار، لتحل محل سلطة الإشهار، وتكليفها بتحصيل مداخيل الإشهار، وتحديد أوجه الاستفادة منه، وكذا إنشاء معهد للصحافة وتقنيات الإعلام ليوفر تكوينا مهنيا وتقنيا حقيقيا للصحفيين وأعوانهم، ويحل محل قسم الصحافة في المدرسة الوطنية للإدارة.
ورأت لجنة إصلاح الصحافة ضرورة إنشاء مركزين أحدهما للحفاظ على التراث والأرشيف الصحفي، ولآخر لاستطلاع الرأي، وسبر آراء الجمهور، فضلا عن إنشاء دار للصحافة، ودار للطباعة والنشر.
وشدد التقرير على ضرورة إعادة النظر في صلاحيات المديرين العامين لمؤسسات الإعلام العمومي، وكذا مجالس الإدارة، كما أوصى بمراجعة بنية الوكالة الموريتانية للأنباء، وتحويلها إلى وكالة قوية وتزويدها بكل الوسائل اللازمة، ووقف صحيفتي "الشعب" و"أوريزون" الحكوميتين عن الصدور.
وتضمن التقرير اقتراحا باستحداث قنوات إذاعية وتلفزيونية تربوية وتنموية متخصصة، وتطوير وتجهيز أقسام الصحافة في الجامعات الموريتانية.
مدونة قانونية
وأوصت اللجنة في تقريرها بمراجعة كل القوانين الناظمة للإعلام في البلاد، وجمعها في مدونة واحدة منقحة، ومحينة، كما حثت على إصدار قانون حول حق النفاذ إلى المعلومات يعزز الحريات ويكمل الترسانة القانونية.
ومن بين القوانين التي أوصت اللجنة بمراجعتها القانون المنشئ للسلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية "الهابا"، وذلك بهدف اعتماد محاصصة مهنية تراعي التخصصات الإعلامية، ومعايير الخبرة والاستقامة المهنية والتجربة بدل المحاصصة السياسية، التي وصفها التقرير بأنها أعاقت فاعلية الهابا.
كما أوصى التقرير بمراجعة القانون المتعلق بالدعم العمومي للصحافة، لينص على التمويل المستدام، واستكمال إجراءات إطلاق القنوات الجمعوية الإذاعية والتلفزيونية، وتطبيق النظم القانونية الثلاثة المتعلقة بالاتصال، وهي نظام الرخصة، ونظام الإذن، ونظام التصريح، ومراجعة مرسوم البطاقة الصحفية.
كما أوصت بإنهاء معاناة المتعاونين في الإعلام العمومي، وتحسين أوضاع الصحفيين بزيادة رواتبهم، ووضع رسم شهري على شرائح الهواتف لدعم الإعلام، وتولي الدولة دفع ديون الإعلام الخاص في انتظار وضع آليات تحصيل المبالغ المالية، كما دعت للعدول عن المقرر الذي يحظر الإنفاق العمومي على الترويج.
وشددت اللجنة على ضرورة تمكين حامل البطاقة الصحفية من الاستفادة من امتيازات مالية ومعنوية يخولها القانون.
ودعت اللجنة لإلزام المؤسسات العمومية والخصوصية بتحديد خط تحريرها وسياستها في مجال الإنتاج، وكذا إلزامها بتنويعه وضمان جودته، وتحقيق التغطية، وخاصة في المناطق الحدودية، والمناطق الهشة.
ورأت اللجنة ضرورة إعادة البث على الموجة القصيرة، ووضع شبكة مرقمنة للتغطية التلفزيونية مؤمنة، وشاملة، وبكوابل الألياف البصرية، وتحميل القنوات العامة والخاصة على الباقة الوطنية، والتحول الفوري إلى الجيل الرابع للاتصالات، وتطوير المقاولات، وتشجيع الابتكارات الرقمية.
كما أوصى التقرير بإنشاء منصة وطنية تتابع وتضبط وتؤمن حركة التواصل الإلكتروني في موريتانيا، وإنشاء كابل بحري آخر يؤمن الربط وتدفق المعلومات إلى البلاد، وجمع كل منصات التواصل الحكومية تحت وصاية جهة تقنية محترفة، ووضع ميثاق شرف موريتاني خاص بالتواصل الاجتماعي.
ودعت اللجنة لإنشاء إدارة أو آلية للأمن السبراني، وتوجيه الصحافة المهنية إلى تقوية حضورها على مواقع التواصل الاجتماعي، وإعداد دليل مهني خاص بوسائل التواصل الاجتماعي، والتفكير في إطلاق قمر صناعي موريتاني، أو مع دول المغرب العربي، أو مجموعة دول الساحل.