في البداية نشير إلى أن المجتمع الموريتاني مجتمع مسلم آخاه الإسلام وساوي بين أفراده تحت كلمة التوحيد لا أله ألا الله محمد رسول الله آخاه الإسلام وساوى بين أفراده ولا فضل لأحد على آخر ألا بالتقوى لقول الله عز وجل ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) وقول الرسول صلى الله عليه وسلم لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى .
وبعد تأسيس الدولة الحديثة نص الدستور على مساواة المواطنين أمام القانون فقد نص دستور 1991 في مادته الأولى على أن ( موريتانيا جمهورية إسلامية لا تتجزأ , ديمقراطية واجتماعية .
تضمن الجمهورية لكافة المواطنين المساواة أمام القانون دون تمييز في الأصل والعرق والجنس والمكانة الاجتماعية .. )
ونصت الفقرة الأخيرة من ذات المادة على أنه ( يعاقب القانون كل دعاية ذات طابع عنصري أو عرقي )
هذا فيما يتعلق بالبعد الدستوري لمواجهة العنصرية والعرقية ينضاف إليه البعد الدولي المتمثل في انضمام موريتانيا إلى الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري فقد صادقت موريتانيا على هذه الاتفاقية بموجب المرسوم رقم 105/1988 الصادر بتاريخ 14اكتوبر 1988 ونشرتها في الجريدة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية بتاريخ 09 دجنبر 2014 .
ومما جاء في ديباجة هذه الاتفاقية أن الدول الأطراف في هذه الاتفاقية إذ تؤكد من جديد أن التمييز بين البشر بسبب العرق أو اللون أو الأصل الاثني يشكل عقبة تعترض العلاقات الودية والسلمية بين الأمم وواقعا من شأنه تعكير السلم والأمن بين الشعوب والإخلال بالوئام بين أشخاص يعيشون جنبا إلى جنب حتى في داخل الدولة الواحدة ...)
ينضاف إلى الإطار القانوني ما تشير إليه المادة 22 من القانون رقم 007/2016 المتعلق بالجريمة السيبرانية فقد نصت المادة 22 على أن ( كل من يقوم عن قصد بواسطة نظام معلوماتي بشتم شخص بسبب انتمائه إلى مجموعة تتميز بالعرق او اللون أو النسب أو الأصل الوطني أو الاثني أو مجموعة أشخاص تتميز بإحدى هذه السمات يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وبغرامة من 300.000 إلى 2.000.000 أوقية أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط دون مساس بتعويض الأضرار المترتبة للضحية )
ولم يكتف المشرع الموريتاني بالإطار العام المشار إليه أعلاه ( الدستور والاتفاقية الدولية )بل تدخل بنص تشريعي هو القانون رقم 23/2018 الصادر بتاريخ 21/6/2018 الذي يتضمن تجريم التمييز وخطاب الكراهية .
وهو قانون بدا واضحا أن المشرع يريد من خلاله وضع حد للتمييز وخطاب الكراهية الذي يستهدف تسميم جو المجتمع وزرع الفتن والكراهية بين شعب صهرته الجغرافيا والتاريخ منذ مئا ت السنين .
ولأهمية هذا القانون نقترح إعطاء فكرة عنه في هذه الورقة بشكل موجز
فقد عرف التمييز في المادة الأولى منه بقوله ( يقصد بالتمييز في مفهوم هذا القانون أي تفريق أو تهميش أو تقييد أو تفضيل يهدف أو يمكن أن يهدف أو يفضي إلى تخريب أو عرقلة أو الحد من الاعتراف أومن التمتع أو من منع ممارسة حقوق الإنسان والحريات الأساسية في إطار من المساواة وفقا للشريعة الإسلا مية )
وحدد مفهوم خطاب الكراهية بقوله في المادة الثانية منه ( يقصد بخطاب الكراهية التصريحات العامة التي تهدد أو تهين أو تحط من شأن مجموعة معينة أو تحتقرها بسبب الانتماء العرقي أو اللون أو الأصل الاثني أو على أساس الجنسية أو الإعاقة أو الجنس )
وحدد المشرع مجموعة من الوقائع وعاقبها بعقوبات رادعة رغم أن الأفعال المجرمة في هذا القانون عقوباتها لا تتجاوز حد الجنحة .
فجرم الحث على الكراهية وعاقبه من سنة واحدة إلى ثلاث سنوات (المدة 14)
وجرم التحريض على التمييز ضد الفرد وعاقبه من شهر إلى سنة ( المادة 15)
كما جرم التحريض على التمييز ضد جماعة وعاقبه بما عاقب به الحث على الكراهية اي من سنة واحدة إلى ثلاث سنوات وبغرامة من 100.000 ألف إلى 300.000 الف أوقية ( المادة 16)
كما جرم اللجوء إلى التمييز وعاقبه من سنة إلى ثلاث سنوات (المادة 17)
وجرم الترويج للجوء إلى التمييز وعاقبه بالعقوبة المقررة في المادة 14 ( المادة 18)
وجرم القانون التمييز القائم على خدمة معينة وعاقبه من ستة أشهر إلى سنة واحدة ( المادة 19 )
كما جرم التمييز في العمل وعاقبه من سنة واحدة إلى ثلاث سنوات ( المادة 20 )
كما جرم التمييز عن طريق الصحافة وشدد العقوبة فيما إذا كان مرتكب الجريمة صحفي ( المادة 21 )
وجرم وعاقب الانتماء إلى جمعية أو تكتل يمارس التمييز(المادة 22 )
وجرم وعاقب التمييز الذي يمارسه موظف عمومي وإذا كان الموظف مأمورا وممن تجب عليهم طاعة رؤسائهم فقد عاقب الآمر (المادة 23 )
هذه جملة الوقائع المجرمة والمعاقبة في هذا القانون .
وبقراءة القانون يمكن أن نسجل الملاحظات التالية :
أولا: أن للنيابة العامة الحق في تحريك الدعوى العمومية دون حاجة إلى شكوى المتضرر (المادة 9) وحسنا فعل المشرع لأن التمييز وخطاب الكراهية أثرهما السيئ لا يقتصر على الضحية بل يمتد إلى المجتمع ككل .
كما أعطى للجمعيات المدافعة عن حقوق الإنسان الحق في الانتصاب كطرف مدني ضد مرتكبي هذه الجرائم ( المادة 26 )
ثانيا : أن هذه الجرائم رغم أنها لا تتجاوز سقف الجنح فإن الدعوى المتعلقة بها لا تتقادم ( المادة 7) علما بأن الجنح بصفة عامة تتقادم بثلاث سنوات .
وعدم تقادم هذا النوع من الجرائم غير مفهوم بالنسبة لنا , فعدم تقادم الدعوى يدل على خطورة الفعل وأخطر الجرائم في القانون , الجنايات , وتتقادم بعشر سنوات. والأفعال المجرمة في هذا القانون كلها جنح فلو لم ينص المشرع على مسألة التقادم لكانت هذه الجرائم تتقادم بثلاث سنوات تطبيقا للمادة 8 من قانون الإجراءت الجنائية.
وإذا كان المشرع يريد لهذه الجرائم أن لا تتقادم بالمدة المقررة للجنح فله أن يرفع سقف مدة تقادمها إلى ما تتقادم به الجنايات وهو عشر سنوات أما أن يجعلها لا تتقادم فهذا ما نعتبره غير مفهوم إذ الجرائم التي لا تتقادم يجب أن تكون استثناء وأن تتضمن في ماهيتها من الخطورة الظاهرة ما يرشحها لهذا الحكم كالجرائم ضد الإنسانية وجرائم الاسترقاق وجرائم الحدود باعتبارها من حقوق الله تعالى .
إذن النص على عدم تقادم الدعوى المتعلقة بجرائم التمييز وخطاب الكراهية لا ينسجم مع الوصف المعطى لهذه الوقائع .
علما بأن هذه الوقائع لن يرتكبها إلا أشخاص متهورون مدركاتهم ناقصة وحظهم من التعليم ضعيف إن لم يك معدوما , ثم إنهم مع الوقت سيدركون خطورة ما كانوا يدعون إليه عليهم وعلى المجتمع والدولة .
فبأي معنى تكون تلك الأفعال التي سيتبين مرتكبوها ولو بعد حين خطورتها عليهم وعلى مجتمعهم بأي معنى تكون تلك الأفعال لا تتقادم ؟ اللهم إلا إذا كان المشرع يريد إعطاء النيابة العامة سلطة مطلقة مرسلة في الزمن لمتابعة أي شخص ارتكب فعلا من هذه الأفعال ,ونحن لا نعتقد أن المشرع بوضعه لهذا القانون كان يريد هكذا حالة , إنما كان همه الأكبر هو عقاب ومتابعة مرتكبي هذه الجرائم وردعهم بهدف ردهم إلى الجادة
ثالثا : أن المشرع إدراكا منه لأهمية الوقاية من هذا النوع من الجرائم نص في المادة 9 من هذا القانون على استحداث يوم وطني لمحاربة الممارسات التمييزية وقد تقرر أن يكون يوم 09 يناير من كل سنة. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن المشرع يدرك تماما أن التجريم والعقاب غير كافيين للقضاء على هذا السلوك وإنما لا بد من توعية المجتمع بجميع مكوناته بخطورة التمييز وخطاب الكراهية على نسيجنا الاجتماعي .
رابعا : أنه إذا كان استحداث يوم وطني لنبذ التمييز وخطاب الكراهية لا مناكرة في أهميته , فإن الترياق الأهم والأنجع للقضاء على الكراهية وأسبابها والتمييز وأسبابه هوإنشاء مدرسة جمهورية موحدة بالفتح وموحدة بالكسر مدرسة قادرة على صياغة المواطن المسلح بالعلم والمعرفة والقادر على البناء والعمران .
المحامي ذ/ النعمه أحمد زيدان
أستاذ القانون بجامعة انواكشوط العصرية