بعد مضي خمس سنوات فقط على عملية إلقاء القنبلتين الذريتين على كل من هيروشيما وناغازاكي في خضم الحرب العالمية الثانية، كاد العالم أن يشهد دون قصد حادثة مماثلة بكندا. ففي حدود العام 1950، تحطمت قاذفة قنابل أميركية، في وقت سلم، من نوع بي 36 (B-36) فوق أراضي مقاطعة كولومبيا البريطانية (British Columbia) التابعة لكندا مسببة حالة من الهلع لدى السلطات الأميركية والكندية، حيث نقلت هذه الطائرة أثناء رحلتها، التي كانت عبارة عن مهمة تدريبية، قنبلة ذرية من نوع مارك 4 (Mark IV).
صور لانفجار القنابل النووية بكل من هيروشيما وناغازاكي
فمع استسلام اليابان رسمياً مطلع أيلول/سبتمبر 1945، استعدت الولايات المتحدة للحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي الذي برز كقوة عسكرية عالمية تزعّمت المعسكر الشرقي. وفي خضم هذه الحرب الجديدة، مثّلت الأسلحة النووية جانباً لا يمكن تجاهله ولهذا السبب اتجهت الولايات المتحدة الأميركية للتزود بنوع من قاذفات القنابل العابرة للقارات والقادرة على نقل قنابل ذرية لقصف العاصمة السوفيتية موسكو عند الضرورة. وبفضل ذلك، ظهرت قاذفة القنابل بي 36، الملقبة بصانعة السلام، التي اتجه الأميركيون لتجربتها للتأكد من قدرتها على نقل قنبلة ذرية لمسافات طويلة.
وبعد مفاوضات استمرت لأشهر، وافقت هيئة الطاقة الذرية الأميركية على تزويد سلاح الجو بقنبلة ذرية افتقرت لنواة البلوتونيوم واحتوت في المقابل على كميات هامة من اليورانيوم والمتفجرات التقليدية لتجنّب حدوث انفجار نووي مدمر. ويوم 13 شباط/فبراير 1950، انطلقت قاذفة قنابل بي 36 من القاعدة الأميركية بألاسكا، حيث كان من المقرر أن تمر بمونتانا قبل أن تتوجه لسان فرانسيسكو لإلقاء القنبلة على أحد الأهداف الافتراضية وتهبط فيما بعد بقاعدة كارسويل (Carswell) الجوية بتكساس. ومن خلال هذه العملية، حاول الأميركيون قيادة هجوم يحاكي هجوماً على إحدى المدن السوفيتية.
صورة لقاذفة القنابل بي 36
في الأثناء، لم تسر هذه العملية حسب ما خطط له سلاح الجو الأميركي. فبعد إقلاعها بفترة وجيزة، تشكّلت على جسم الطائرة كتل من الجليد ومع تزايد وزن الطائرة ازداد الضغط على محركاتها ليجبر الطاقم على إطفاء ثلاثة منها عقب اندلاع النيران بها لتفقد قاذفة القنابل بي 36 بسبب ذلك توازنها تدريجيا بالجو.
ومع تأكده من حتمية تحطّم الطائرة، أقدم الكابتن هارولد باري (Harold Barry) على تطبيق ما تعلمه أثناء فترة التدريبات فحاول تدمير القنبلة الذرية عن طريق إلقائها بالبحر لتجنب وقوعها في يد السوفيت. وعلى حسب ما قاله الأخير أثناء فترة التحقيق، انفجرت الشحنة التفجيرية التقليدية للقنبلة مارك 4 في الوقت المناسب متسببة في إتلافها بالمحيط الهادئ. وبينما سارت الطائرة لمسافة 200 ميل إضافية قبل أن ترتطم بجبل كولوجيت (Kologet)، قفز باري ورفاقه بالمظلات ونزلوا بجزيرة روايال برانسيس.
تزامناً مع ذلك، قادت السلطات الأميركية والكندية عمليات تمشيط للمنطقة أسفرت عن إنقاذ 12 فرداً من طاقم الطائرة البالغ عددهم 17 شخصاً. وأثناء التحقيق، أيد الجميع أقوال الكابتن باري حول تفجير القنبلة بالمحيط.
إلى ذلك، عثرت السلطات الأميركية سنة 1954 على بقايا قاذفة القنابل بي 36 بكولومبيا البريطانية لتباشر بذلك عملية إتلاف مكوناتها تزامناً مع عدم عثورها على أي أثر للقنبلة الذرية داخلها.
خريطقة لمقاطعات كندا
من جهة ثانية، عرفت الفترة التالية ظهور العديد من الإشاعات حيث تحدّث كثيرون عن قيام مسؤول الذخيرة على متن الطائرة الكابتن شراير (Schreier)، الذي فشل الأميركيون في العثور على جثته، بإبطال مفعول القنبلة الذرية ونقلها، عقب سقوط الطائرة، لمكان آمن ووفاته بسبب الطقس البارد وضياع هذا السلاح النووي بغابات كندا. أيضا، نقل آخرون قصصاً أخرى عن عثور الخبراء الأميركيين على القنبلة بحطام الطائرة وتكتم الإدارة الأميركية على الأمر لدوافع أمنية.
في الأثناء، رفضت السلطات الأميركية تأكيد أي من هذه الإشاعات حول القنبلة الذرية وأيدت نظرية تفجيرها بعرض المحيط الهادئ.
ومثلت هذه الحادثة أول حادثة ضياع قنبلة ذرية عرفها التاريخ وخلال الفترة التالية لقّبت الحوادث التي ارتبطت بالقنابل الذرية بلقب الأسهم المكسورة وأثناء الأربعة والعشرين عام الأولى من العصر النووي شهد العالم 23 حادثة مماثلة لدى كل من السوفيت والأميركيين.
العربية.نت – طه عبد الناصر رمضان
googleplus