لا يخفي سياسيون ومحللون إيرانيون تأكيدهم أن برنامجي بلادهم النووي والصاروخي، إضافة للاتهامات لها بالتدخل في دول الإقليم، تعتبر بمثابة "ذرائع" للتصعيد الأخير ضد طهران، وأن تسوية الملفات العالقة من الغرب قد تخفف من الضغط عليها.
وإضافة لعمليات الاستهداف التي طالت علماء وخبراء وأهدافا داخل العمق الإيراني، واستهداف إسرائيل مواقع تقول إنها تتبع للحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني في سوريا، آخرها استهداف مطار دمشق الدولي، اقتربت إسرائيل أكثر من حدود إيران بعد إعلان وسائل إعلام إسرائيلية مؤخرا أن تل أبيب نشرت منظومات رادار متقدمة في دول خليجية.
وعلى وقع التصعيد المتواصل بين إسرائيل وإيران، بات إعلان وسائل إعلام غربية وإسرائيلية عن عمليات ضد أهداف وخبراء إيرانيين أمرا متكررا بشكل شبه يومي، في وقت تكتفي طهران بالتأكيد أنها سترد على كل ذلك.
لكن السؤال الكبير الذي بات مطروحا في طهران وخارجها: لماذا لا ترد إيران على عمليات الاستهداف المتكررة ضدها؟
الجزيرة نت وجهت 6 أسئلة بهذا الشأن لخبراء وباحثين إيرانيين، وإمكانية انتقال طهران في حربها من التهديد وما يوصف بالرد بوسائل أمنية، إلى الرد العلني على إسرائيل ومصالحها.
سؤال 1: مع تصاعد نبرة التهديد والوعيد بين إسرائيل وإيران، لماذا تكثر طهران من التهديد ولا ترد فعليا على الاستهداف الإسرائيلي المتكرر ضدها؟
يعتقد الخبير الإستراتيجي، والدبلوماسي الإيراني السابق هادي أفقهي، أن حربا أمنية واسعة تمضي على قدم وساق بين طهران وتل أبيب، لا تسمح لكلا الجانبين تبنّي العمليات ضد الطرف المقابل، وقال للجزيرة نت إن إيران اغتالت عالما نووي إسرائيليا ردا على الاستهداف الإسرائيلي المتكرر لأهداف إيرانية.
واتهم، في حديثه للجزيرة نت، الجانب الإسرائيلي بفرض "رقابة عسكرية على وسائل الإعلام حفاظا على الروح المعنوية المتدهورة في كيان الاحتلال" مؤكدا أن بلاده سبق ونفّذت عمليات داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى جانب اختراق أجوائها باستمرار.
وتابع أفقهي أن إيران نفذت هجوما صاروخيا في مارس/آذار الماضي على "مقر للموساد" في أربيل بالعراق، عازيا سبب تبنّي الحرس الثوري العملية لأنها جاءت ردا على تجاوز تل أبيب الخطوط الحمراء في استهدافها مقرا للمسيرات الإيرانية غربي البلاد.
وبرأيه فإن تل أبيب لم تتبن بعد عملية واحدة في الداخل الإيراني، وإن طهران تتعامل بالمثل في حربها الأمنية والسيبرانية مع الكيان الصهيوني، موضحا أن قائد فريق الاغتيالات بالموساد قُتل قبل أيام في هجوم بمسيرة استهدف مركبته بمدينة أربيل.
سؤال 2: هل يمكن أن تنتقل إيران في حربها الأمنية إلى الرد علنا داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة؟
كشف أفقهي أن بلاده سبق وأرسلت عبر دولة أوروبية صورا وخرائط لمنشآت إسرائيلية سرية، مؤكدا أن "الطرف الذي نجح في اختراق العدو والتقط تلك الصور من مسافة قريبة وليس عبر الأقمار الاصطناعية قادر على نقل المعركة إلى داخله، وهذا ما تم بالفعل".
واعتبر أن التهديدات الإسرائيلية بمهاجمة طهران "هروب إلى الأمام" مضيفا أن الولايات المتحدة لا تؤيد توجيه ضربة إسرائيلية ضد إيران لأنها تعرف جيدا أن أي هجوم على إيران سوف يشعل المنطقة بأكملها، على حد قوله.
وخلص أفقهي إلى أن "إيران قامت خلال الفترة الماضية بتنفيذ عمليات ضد المنشآت الإسرائيلية الحساسة إلى جانب عمليات سيبرانية واستهداف بعض العناصر ردا على الاستفزازات الإسرائيلية المتكررة" مستدركا أن طهران لا ترى حاجة في تبني ذلك.
سؤال 3: لماذا لا تستهدف إيران أهدافا داخل العمق الإسرائيلي؟
يرى أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الشهيد بهشتي، علي بيكدلي، أن المنطقة مقبلة على أحداث كبيرة لا يحمد عقباها، وأن بلاده لا تريد الزج بنفسها في أزمات يمكن تفاديها بحكمة، مؤكدا أن واشنطن وتل أبيب تعملان على عقد تحالفات بمشاركة دول عربية في المنطقة وتركيا، وأن طهران لا ترغب بأي توتر قد يسرع من تشكيل هذه التكتلات.
ورأى -في حديثه للجزيرة نت- أن زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الشرق الأوسط في يوليو/تموز المقبل، والتي ستشمل السعودية والأراضي الفلسطينية المحتلة، تأتي في إطار عقد تحالف إقليمي لمواجهة إيران.
وأشار الأكاديمي الإيراني إلى الإعلان الإسرائيلي عن نشر منظومة رادارات في بعض الدول الخليجية منها الإمارات والبحرين يعتبر "مؤشرا على أزمة تلوح في أفق المنطقة، وأن إيران لن تكون بمنأى عن تداعياتها".
سؤال 4: كيف تتعامل إيران مع التصعيد في المنطقة والذي توجهه إسرائيل ضدها بشكل أساس؟
يرى بيكدلي في البرنامجين النووي والصاروخي وما يعرف بالتدخل الإيراني في الإقليم ذرائع للتصعيد الأخير ضد طهران، مضيفا أن بإمكان طهران تغيير اللعبة جراء معالجة الملفات الشائكة مع القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة.
وأكد أن القيادة الإيرانية اتخذت قرارا بعدم التخلي عن سياساتها الإقليمية وقدراتها العسكرية، كاشفا عن مفاوضات سرية غير مباشرة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأطراف مفاوضات فيينا النووية، لحلحلة القضايا الشائكة وإنقاذ الاتفاق النووي.
وختم بيكدلي بالقول إنه بالرغم من عدم رغبة إيران والكيان الإسرائيلي إطلاق الرصاصة الأولى للحرب المحتملة فإن استمرار التصعيد المتواصل قد يؤدي إلى حرب شاملة في المنطقة.
سؤال 5: هل إيران مستعدة لمواجهة أي حرب ضدها؟
وفق الباحث في الشؤون العسكرية محمد مهدي يزدي، فإن هاجس الحرب رافق إيران منذ انتصار ثورتها عام 1979، وأسست إستراتيجيتها على أن تكون قواتها العسكرية في حالة استعداد مستمرة لمواجهة التهديدات المتواصلة طوال أكثر من 4 عقود.
وأوضح للجزيرة نت أنه يستبعد نشوب حرب شاملة في الوقت الراهن بين إيران وإسرائيل، إلا أن احتمالات الحرب ستبقى واردة، مؤكدا أن حلفاء إيران الإقليميين على أهبة الاستعداد لرمي شرارة الحرب في الأراضي الفلسطينية المحتلة في حال قامت تل أبيب بأي هجوم على طهران.
وأضاف يزدي أنه بإمكان إسرائيل القيام بهجمات خاطفة ضد المنشآت النووية أو العسكرية الإيرانية، لكنها لن تكون قادرة على إنهاء الحرب والتعامل مع عدة جيوش وعلى عدة جبهات، وفق تعبيره، مؤكدا أن طهران لن تكون وحدها في أي حرب مستقبلية.
وتابع الباحث العسكري الإيراني قائلا إن طهران قادرة على "فتح الجحيم" على كيان الاحتلال من مسافة الصفر، مشددا على أن إيران قد جهّزت بعض حلفائها في المنطقة بأسلحة نوعية تمكنها من استنزاف قدرات "العدو" لفترات طويلة دون الحاجة إلى تدخل مباشر من طهران.
سؤال 6: كيف تنظر طهران إلى دعوة إسرائيل لتشكيل تحالف إقليمي ضدها؟
يقلل يزدي من فرص نجاح تشكيل تحالف إسرائيلي عربي ضد إيران في المستقبل القريب، مؤكدا أن بلاده مستمرة في مد قنوات التواصل مع دول الجوار وأنها سوف تبذل ما بوسعها لتفويت الفرصة على "المتربصين بالوحدة الإسلامية" في المنطقة، على حد وصفه.
واعتبر أن "المحور الصهيو أميركي يريد التضحية ببعض الدول العربية والإسلامية في مواجهة إيران".
واختتم بأن بلاده سبق وحذرت أكثر من مرة أنها سوف تستهدف مصادر التهديد أينما كانت، وأنها سوف تقصف أي منطقة تنطلق منها رصاصة نحو الأراضي الإيرانية.