12 ساعة تحت الركام قضتها الفتاة الفلسطينية زينب القولق (22 عاماً) قبل 12 شهراً بالتمام، قبل أن انتشالها من وسط كومة ضخمة من الركام والحجارة وجثث أهلها وذويها الذين قضى منهم 22 شخصاً لم تكن تدرك أنهم يتحولون يوماً إلى مجرد رسومات تحكي للعالم عن ظلم الاحتلال وتدميره لأحلام قضت في مهدها.
لم يكن بوسع الفتاة زينب أن تجري أي مقابلات صحفية مع أي من وسائل الإعلام قبل أن تتمكن بالتزامن مع الذكرى الأولى لرحيل أهلها أن تعبر عما حدث معها عبر تسع لوحات عبّرت فيها عن كل ما يجول في صدرها في معرض نظمه له المرصد الأورو متوسطي لحقوق الإنسان في مقره بمدينة غزة.
الحزن العميق الذي يسكن نفس الفتاة القولق، عبرت عنه في لوحات متفرقة رسمتها من وحي معاناتها وتجربتها العميقة في ألم الفقد لأكثر من 22 شخصاً من عائلتها كان من بينهم أقرب الناس إليها أمها وأخواتها، في مجزرة كانت هي أبرز المجازر الصهيونية التي ارتكبتها الطائرات الحربية الصهيونية في قطاع غزة في مايو/أيام لعام 2021.
22 كفنًا
كانت الرسمة الأكثر تأثيراً في نفوس الحاضرين تلك التي جسّدت فيها الفتاة زينب أفراد عائلتها الراحلين بـ22 كفناً أبيضاً مختلفة الأحجام لتعبر عن حزنٍ عميق بداخلها يرثي عائلة رحلت بأكملها، اندفنت معها أحلام متنوعة ومختلفة لم تكن تدرك أن الموت أقرب إليها من تحقيق تلك الأحلام.
تقول زينب: "ربما أزالوا الأنقاض من فوقي، ولكن من يزيلها من داخلي.."، لم تتوقع الفتاة الفلسطينية المكلومة، وهي فنانة تشكيلية، أن تحقق حلمها بإقامة معرضاً لرسوماتها أن يكون هذا المعرض من واقع مأساتها وجرحها العميق، وهي التي لا زالت تشعر بنزيف نفسي عميق لم يندمل حتى بعد 12 شهراً من رحيل عائلتها.
لم تزد عدد صور المعرض عن تسع رسومات جسّدت فيها الفتاة بالرسم والنص كل لحظات الألم التي عايشتها منذ اللحظات الأولى بعد أن أزيلت الأنقاض عن جسدها الغض النحيف، ولم يكن بوسع خريجة اللغة الإنجليزية أن تقدم للعالم حكايتها سوى عبر هذه الطريقة، لتحكي للعالم عن قصة قصف منزل عائلتها بشارع الوحدة وسط مدينة غزة بدون سابق تحذيرٍ أو إنذار، وبدون أي سبب يذكر.
رسالة للعالم
تقول زينب: "يجب أن يعلم كل العالم بهذه الجريمة، وأن يتم نشر صوتي ليرى الجميع مدى الإجرام الذي لحق بنا ونحن نائمون في بيوتنا"، مؤكّدة أنّ الصراخ والحديث عن لغة الرسم هي أسرع وسيلة للوصول إلى أذهان الناس في هذا العالم.
وتستنكر الفتاة القولق من بقاء الاحتلال وجنوده حتى هذه اللحظة بلا أي محاسبة على جريمته البشعة التي استهدفت أبرياء عُزّل بدون أي مبرر، مطالبة بمحاكمة الاحتلال وملاحقته على هذه الجريمة والتي لا تسقط بالتقادم.
ليست الوحيدة
من ناحيتها؛ أكّدت مديرة الاستراتيجيات في المرصد الأورو متوسطي، مها الحسيني، أنّ قصة زينب ليست الوحيدة، فهناك آلاف القصص للنساء والفتيات اللواتي يعانين من الاعتداءات العسكرية "الإسرائيلية" على قطاع غزة، وليس لديهن صوت للوصول للإعلام الدولي، مؤكّدة أنّ رسالة المعرض في المقام الأول هي توجيه قصة زينب إلى المنظمات الدولية لتتحدث بنفسها عن هذه المأساة والمعاناة التي تعانيها أساسا.
وقالت: "زينب هي بالأساس فنانة تشكيلية، الأمر الذي من يمكنها ويساعدها في الوصول للإعلام الدولي بدون صوت".
وتعيش زينب الآن برفقة والدها شكري القولق، وشقيقها الوحيد، واللذين نجوا بأعجوبة من المجزرة الصهيونية التي خلّفت 22 شهيداً من عائلتها في مجزرة غير مسبوقة استهدفت منزلهم الكائن بشارع الوحدة وسط مدينة غزة في مايو/ أيار الماضي.
ورغم مرور عامٍ كامل على الجريمة يؤكد الخمسيني القولق، أنّ الألم النفسي لهذه الجريمة لم ينته بعد في إطار إمعان الاحتلال في ارتكاب المزيد من الجرائم وعدم محاسبته على تلك الجريمة.
وأعرب القولق، عن أمله أن يصل صوت ابنته "زينب" إلى الضمائر الحية في هذا العالم، وأن يتم الإسراع في محاكمة الاحتلال وكبح جماحه عن المضي في قتل المزيد من الأبرياء بلا رقيب ولا حسيب.
- المركز الفلسطيني للإعلام