فِي يوم 28 نفمبر 1960، وبعد انتهاء حفل الاستقلال الرسمي النهاري، وقف الرئيس المختار ولد داداه رحمة الله عليه يودع ضيوف الحفل، فسلم عليه رجل فاضل من أعيان بتلميت محسوب على تيار فيه معارضة للاستقلال، وقال له: "السيد الرئيس هَذِي الدَّوْلَه الْخَلْكَتْ الْيُومْ لَاهِي تَتْعَشَّ اللَّيْلَه بَاشْ؟" متهكما على الظروف الصعبة التي تم فيها الاستقلال، ومشككا في قدرة الدولة على البقاء، خاصة أن كثيرا من وجبات الطعام والمشروبات يومها كان مستجلبا من السينغال.. تبسم الرئيس المختار لمحدثه، دون أن يرد عليه، وسلم على شخص آخر..
في سنة 1975 التي يتفق جميع المراقبين على أنها كانت سنة ذهبية في تاريخ موريتانيا، حيث كانت الجبهة الداخلية متصالحة، وأدت قرارت التأميم والعملة الوطنية ومراجعة اتفاقيات الاستقلال إلى نهضة كبيرة وتدفق استثمارات خارجية هامة، قررت الحكومة تخليد الذكرى 15 لعيد الاستقلال باحتفالات كبيرة تتضمن عرضا عسكريا ضخما يشارك فيه سلاح الجو لأول مرة..
قُبيل حلول الذكرى استدعى الرئيس المختار مدير تشريفاته، وأعطاه اسم الرجل الذي طرح عليه السؤال السابق يوم 28 نفمبر 1960، وأمره بأن يعد بطاقة دعوة باسمه لحضور الحفل، وحضور مأدبة العشاء التي ستنظمها الرئاسة على شرف رجال الدولة والضيوف الأجانب، ويوجهها له ويحرص على حضوره..
بعد أيام راجع مدير التشريفات الرئيس، قائلا له إنه لم يعثر على الرجل، فاتصل المختار بقائد الدرك، وطلب منه البحث بكل الطرق عن المعني وتسليمه بطاقة الدعوة والحرص على حضوره..
علم الدرك الوطني من خلال فرقة بتلميت بوجوده في بادية على بعد 40 كلم من بتلميت، فوجهوا إليه "لَانْدْرُوفِيرْ" لاستدعائه..
حضر الرجل العرض العسكري على المنصة، وحفل العشاء الفاخر في الليل، وبعد انتهائه وقف الرئيس المختار يودع الضيوف تباعا، فلما سلم عليه صاحبه مودعا قبض على يده، وخاطبه باسمه فلان: أَيْوَ أَعْرَفْتْ يَكَانْ الدَّوْلَه أَتْعَشَّاتْ وَللَّ مَا تْعَشَّاتْ؟؟..
رحم الله تلك الإرادة، ورحم كل المؤسسين..
من صفحة القاضي أحمد المصطفى